الارشيف / عالم الفن والمشاهير

الجمهور يحب لصوص البنوك انتقاماً من البنوك

  • 1/2
  • 2/2

باسل النجار = الرياض في الأربعاء 25 أكتوبر 2023 11:55 مساءً - عندما سأل القاضي لصاً اعتاد سرقة المصارف «لماذا تسرق البنوك؟»، أجاب اللص ساخراً «لأن المال هناك». وحسب رأي لص آخر قبض عليه في مدينة أوستن (تكساس) قال: «المصارف هي التي تسرقنا، ونحن نحاول استعادة ما تسرقه منا».

مهما كان الوضع فإن الأفلام التي تدور حول سرقة المصارف تتمتع، ضمناً، بتحقيق الحلم المستحيل لدى المشاهد. حين يجلس إلى مقعده لمتابعة خطّة لسرقة مصرف، صغيراً كان أو كبيراً، فإن جزءاً منه يريد السارق (خصوصاً إذا ما كان الدور مسنداً إلى نجم ساطع) أن ينجح. أنت وأنا لن ننجح في هذا العمل، على الأقل، إذن، دَع غيرنا ينجح. بالتالي ما يبدو جريمة يصبح أمراً مبرراً إذا ما توفرت الأسباب لذلك.

 

حالياً هناك فيلمان جديدان عن سرقة البنوك تُضاف إلى العشرات من الأفلام السابقة التي دارت حول الموضوع هذا. الفيلم الأول هو «سرقة 88» (Heist 88) لمنهاج هودا (بنغلاديشي الأصل، بريطاني الهوية، يعيش في لوس أنجليس). هذا الفيلم الذي تعرضه شبكة «شوتايم» مبنيّ على حادثة حقيقية وقعت في مدينة شيكاغو سنة 1988 وبطلها، على الشاشة، كورتني ب فانس، أفرو- أميركي يعيش في دعة، لكنه يريد زيادة نصيبه من الثروة. يجمع أربعة أفرو- أميركيين من الذين يعملون في المصارف ويبث في بعضهم روح الرغبة في إتمام سرقة إلكترونية، يرى أنها سهلة التحقيق. يدمج الفيلم هذا، الخط مع عنصرية يتلقاها الموظفان الأسودان من إدارة المصرف ما يزيد من قناعتهما بأن يرتكبا الجريمة.

الفيلم الثاني هو «الجانحون» (The Delinquents) عن موظفين آخرين في بلد آخر (الفيلم هو إنتاج أرجنتيني). أحدهما ينفذ خطة لسرقة المال يخبر بها زميلاً له. الشرطة تلقي القبض على الفاعل، أما الآخر (الذي احتفظ بالغنيمة) فلا تعرف عنه شيئاً كون الفاعل لم يعترف بمكان الغنيمة.

الأول منفّذ باحتراف من يريد تنفيذ فيلم مشوّق (وهو يحقق نصف هذه الغاية فقط)، الثاني، كما أخرجه رودريغو مورينو، يرتاح في أحضان توليفة من المشاهد التي تحاذي الكوميديا من دون أن تعمد إليها فعلياً.

ينتمي كلا الفيلمين إلى تقليد قديم من السينما، التي تسرد الخطط وتتابع النتائج وتحقق رغبات المُشاهدين الدفينة. ففي نهاية الأمر نحن «نتفرّج» على سرقة يسطو فيها اللصوص المحترفون على مال ليس مالنا لكي نشعر بالفداحة. أكثر من ذلك، نتمنّى للصوص النجاح في المهمّة شرط ألا يكون هناك جريمة قتل مقصودة، وأن تكون هناك تبريرات تدفع بالسارق لارتكاب السرقة مثل أن تكون والدته بحاجة لرعاية لا يستطيع تأمينها، أو أن المال المودع هو مال خزّنته المافيا في المصرف، أو للسبب الأكثر شيوعاً: الفقر نال ما ناله من قيم الإنسان في مجتمعه بحيث أن السبيل الوحيد للتغلب عليه هو سرقة المصرف.

حتى في الحالات التي تسرق فيها عصابة كاملة متخصصة المصارف من دون أي من الدوافع المذكورة أعلاه، فإن النتيجة المرتسمة على الشاشة، إذا ما أحسن المخرج التنفيذ، هي تشويق وترفيه.

واحد من تلك الأفلام المبنية على خطط عصابة ستسرق أحد بنوك مدينة بوسطن هو «البلدة» (The Town)، الذي أخرجه بن أفلك ببراعة، وأدّى فيه دور عضو العصابة الذي بدأ يتحوّل من القيام بالمهمّة إلى الرغبة في ممارسة حياة طبيعية مع من يحب. هذا ما يخلق التقدير لبطل لم يتخلَ بعد عن أخلاقياته. في الوقت نفسه هو فيلم تشويقي على النحو الذي جعله بداية رائعة لممثل يستطيع ممارسة الدورين، أمام الكاميرا ووراءها، بإتقان.

المهمّة المستحيلة في هذا الصدد هي تبرير جريمة السرقة، التي تتم بالعنف والقتل أيضاً، لكن المخرج آرثر بن، حقق هذا المستحيل في «بوني وكلايد» سنة 1967 عندما سرد القصّة الحقيقية للثناني كلايد (وورن بيتي) وبوني (فاي داناواي) اللذين انطلقا في ثلاثينات القرن المنصرم يسرقان من المصارف (وحيدان أولاً ومن ثَمّ بانضمام شلة صغيرة لاحقاً) في ولايات الوسط الأميركي. ضع الحق هنا على سنوات اليأس الاقتصادية التي أدت إلى انتشار الفقر بين مواطني الولايات الوسطى، وإلى قيام المصارف بالاستيلاء على العقارات التي لم يستطع أصحابها الإيفاء بدفع ديونها. ولزيادة الجرعة في عملية تقريب بوني وكلايد إلى الجمهور، عُمّقت العلاقة العاطفية والشخصية: كلايد قد يكون عاجزاً جنسياً، لكنه شاعر وبوني لن تتخلى عنه.

سيارات الهروب

الشرطة في خدمة القانون… غالباً كون بعض الأفلام تداولت أن حاميها قد يكون حراميها أيضاً أو مشتركاً في الصفقة على الأقل، كما ورد في فيلم سام بكنباه «الفرار» (The Getaway) سنة 1972. هنا سجين اسمه دوك ماكوي (ستيف ماكوين) بارع في سرقة المصارف سيُخلي مدير السجن (بن جونسون) سبيله بشرط القيام بسرقة مصرف وتقاسم الغنيمة معه. يكتشف دوك أن مدير السجن قبض بعض الثمن مقدّماً عندما أجبر زوجته (آلي مكغرو) على ممارسة الحب معه شرطاً للإفراج عنه. العلاقة بينهما تسوء، ودوك حائر في أمره حيالها، ثم ها هم رجال مدير السجن يتدافعون لقتله وسرقة الغنيمة بأسرها. في نهاية الفيلم، وبعد القضاء على الأشرار، يتجه الزوجان بالغنيمة كاملة إلى المكسيك. إزاء ذلك كلّه كيف لا يمكن الاصطفاف وراء مجرمي هذا الفيلم؟

رايان أونيل في «السائق» (إي أم آي)
وورن بيتي لعب في سنة 1971 فيلماً آخر مبنياً على سرقة مصارف هو «$» (يكتفي العنوان بالعلامة الشهيرة). كتبه وأخرجه ريتشارد بروكس عن لص محترف يخطط لسرقة ثلاثة حسابات بنكية لثلاثة مجرمين (المبرر موجود من البداية)، لكن تبعات ذلك خطيرة، ولو أن محترف السرقة هو من سينتصر على محترفي القتل.

أحياناً ما يكون المجرم فرداً واحداً كما الحال في فيلم دون سيغل «تشارلي فارِك» سنة 1973. في ذلك الفيلم ينفّذ وولتر ماثاو شيئين: يترك الكوميديا خلفه لكي يؤم بطولة هذا الفيلم الجاد، ويسرق مصرفاً يودع فيه المافيا ماله. شريكه الوحيد هو شاب ساذج (أندرو روبنسن الذي كان أدّى دور السفّاح في فيلم كلينت إيستوود «ديرتي هاري» قبل عامين من هذا الفيلم) يلقى حتفه سريعاً بعدما وصل مندوب العصابة القاتل المحترف مولي (جو دون بايكر) بحثاً عن تشارلي والمال معاً.

«ذَ درايفر» لوالتر هيل، هو فيلم آخر عن السرقة لكن من زاوية أخرى. التحري (بلا اسم لشخصيّته)، بروس ديرن يلاحق السائق (رايان أونيل)، الذي يشترك في السرقات كسائق لما يُسمى بـ«سيارة الهروب». يدرك التحري أنّ هناك خطة عمل لسرقة جديدة، ويحاول إجبار السائق على الاعتراف بها. لجانب أن القصّة جيدة وشخصياتها وممثليها على مستوى واحد من التعبير، هناك ذلك الإخراج المتين الذي يؤمّنه والتر هِيل بلا هفوات.

أول أفلام كونتِن تارنتينو التي وضعته على سدّة الشهرة كان «كلاب المخزن» (Reservoir Dogs) (1992) حيث تنفّذ العصابة بأسماء مستعارة مثل وايت (هارفي كايتل)، ومستر أورانج (تيم روث)، وبلوند (مايكل مادسن)، سرقة ضخمة وتنتقل مع رهينة إلى ذلك المخبأ، حيث تتدرّج المواقف سريعة صوب عنف زائد عن الحاجة. هذا فيلم من تلك التي تستبعد احتمال اصطفاف الجمهور مع العصابة بسبب العنف التي تمارسه. ليس من بينها (وكلهم ممثلون جيدون) ما يستدعي التعاطف معه ولو أن الدافع هنا ليس أخلاقياً على الإطلاق.

من الأفلام الأخرى التي راجت، لكنها لم تُثر التعاطف، «بعد ظهر يوم وضيع» (Dog Day Afternoon) لسيدني لومِت الذي ركب موجة التعاطف النقدي وليس الجماهيري. الفيلم عبارة عن سرقة مصرف ينفّذها آل باتشينو والدافع؟ استخدام المال لدفع فاتورة المستشفى لصديقه لإجراء عملية تغيير الجنس.

Advertisements
Advertisements

قد تقرأ أيضا