ياسر الجرجورة - الرياض - الأحد 4 أغسطس 2024 01:02 مساءً - ألقى الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف كلمة فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولى التاسع لوزراء الأوقاف والشئون الإسلامية الذى تنظمه وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والذى يعقد فى مكة المكرمة خلال الفترة من 28 محرم إلى 1 صفر لعام 1446هـ بعنوان : (دور وزارات الشئون الإسلامية والأوقاف فى تعزيز مبادئ الوسطية وترسيخ قيم الاعتدال).
ووجه الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف فى بداية كلمته الشكر والامتنان لوزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة على دعوته، موضحًا أنه أتى من مصر الكنانة ومن شعبها الكريم وقيادتها الحكيمة ومن أزهرها الشريف محملًا بخالص التحية والتقدير للمملكة العربية السعودية ملكًا وولى عهد وحكومة وشعبًا ولسائر أصحاب المعالى الحضور ولسائر أوطانهم العزيزة والغالية على قلوبنا.
وأكد وزير الأوقاف أهمية موضوع المؤتمر : "دور وزارات الشئون الإسلامية والأوقاف فى تعزيز مبادئ الوسطية وترسيخ قيم الاعتدال"، وأن جدول أعمال المؤتمر ومحاوره وافية شاملة، تشتبك مع هموم المسلمين، وتناقش قضاياهم، حيث جاء على قمة البحوث التى يطرحها المؤتمر قضية مواجهة الغلو والتطرف، وقضية تحصين المنابر، بما يحشد قدراتنا وطاقاتنا جميعًا ووزاراتنا ومؤسساتنا ودولنا جميعًا حتى نحتشد جميعًا لمواجهة كل صور العنف والتكفير والتطرف والغلو والتشدد وحتى نطفئ معًا نيران العنف والإرهاب ولنكون فى زماننا هذا أمناء على ديننا وعلى أوطاننا ولنقتدى بسيدنا عبد الله بن عباس (رضى الله عنه) حين خاض المواجهة الجريئة الجسورة العلمية التى فكك فيها فكر التطرف والتكفير فى زمنه، ليكون نبراسًا لكل أصحاب المعالى الحضور، ولكل صاحب منبر وقلم من الأمناء على الدين والوطن أن يخوضوا معركة مواجهة التطرف بكل جرأة وجسارة، لنحمى ديننا وبلادنا وأوطاننا من كل شر.
وأضاف وزير الأوقاف أن المؤتمر اختار عنوانًا آخر من عناوينه الكبرى وهو قضية القيم الإنسانية المشتركة التى ننادى بها نحن المسلمين فى كل أنحاء الدنيا، مؤكدًا أن القرآن الكريم جاء محملًا بمستويات متعددة من الهداية، وأن وزير الأوقاف فى كتابه: "المدخل إلى أصول التفسير" الذى ترجم إلى الإنجليزية والفرنسية أن القرآن الكريم قد جاء محملًا بهداية عامة تخاطب كل إنسان على ظهر الأرض وفيه أيضًا هداية خاصة تخاطب بالتشريع والهداية والعبادات من آمن به.
وأوضح أن الهداية القرآنية الخاصة تتمثل فى كل آية بدأت بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" وكان الإمام الفخر الرازى (رحمه الله) قد أحصاها فوجدها ثمانيا وثمانين آية، ثم أن الهداية العامة تتمثل فى كل آية بدأت بقوله تعالى: "يا أيها الإنسان"، أو بقوله تعالى: "يا أيها الناس"، أو بقوله تعالى "يا بنى آدم"، مما إذا جمعناه خرجنا منه بمواثيق ومبادئ عليا يحرص عليها الشرع الحنيف، لتكون مبادئ تجمع شمل البشر على الخير والحق والهدى ؛ ولتكون مفتاحًا للاهتداء إلى الله تعالى.
وأكد وزير الأوقاف أن أحد أهم أهداف المؤتمر المشتركة التى نعمل عليها ونزكيها ونجتهد فى إيصالها إلى الناس أجمعين وتأتى على قائمة أعمال المؤتمر قضية الوطن والانتماء الوطنى والوطنية والمواطنة، وهذه القضية قضية شديدة الأهمية فى ظل زمن وعقود مضت نشطت فيه جماعات الإرهاب والتطرف فى تقديم خطاب يقزم شأن الوطن ويصغره، فمن قائل أن الوطن حفنة تراب، وقائل أن الوطن مجرد حدود صنعها الاستعمار يريد التهجم على أحوال أوطاننا ودولنا القائمة، ومن قائل أن الوطن مقابل لفكرة الأمة فيرفض، إلى غير ذلك مما أحصاه وزير الأوقاف وتتبعه وقام بمواجهته وتفكيكه من منظومة الأفكار المغلوطة، مضيفًا أن شأن الوطن شأن عظيم وقد جاء الشرع الحنيف ليعلم الانسان أن يبجل شأن الوطن وفى تاريخ أئمتنا وعلمائنا ما يؤكد ذلك فالجاحظ ألف كتابًا عن حب الوطن، وصالح بن جعفر بن عبد الوهاب صنف كتابًا فى الحنين إلى الأوطان، ووجدنا الإمام الحافظ أبا سعد ابن السمعانى ألف كتابا فى النزوع إلى الأوطان ووجدنا أبا حاتم سهلا ابن محمد السجستانى ألف كتابًا وغير ذلك كثير من المعاصرين.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن من أعظم ما نجتمع عليه فى هذا المؤتمر أن ننادى فى آفاق الدنيا وفى سائر شعوبنا وبلادنا وأوطاننا بتعظيم قيمة الوطن وبتعزيز انتماء الإنسان إلى وطنه وبترسيخ قيمة المواطنة العادلة التى تحمى أبناء الوطن جميعًا.
جاء هذا المؤتمر أيضا ليناقش دور الأوقاف فى زيادة الناتج المحلى ودور الأوقاف فى المسجد الأقصى المبارك، مؤكدًا أن قضية الوقف فى تاريخ المسلمين كانت إبداعا تأسست على أركانه عملية التعليم وعملية الصحة، وانطلقت على أكتاف الوقف أعمال فى غاية العجب تبرز جانب الحضارة العريقة فى تاريخ المسلمين كم من مدرسة أو مستشفى أو عمل علمى أو بر أو خير تأسس على أكتاف الوقف كانت المدرسة المستنصرية من أكبر مدارس العلم فى تاريخ المسلمين وقفت عليها أوقاف هائلة حتى يقول الحافظ الذهبى فى كتاب تاريخ الإسلام (وهكذا فليكن البر بالعلم وإلا فلا)، وعلى غرارها نسجت جامعات كبرى.
وأضاف وزير الأوقاف أن مسجد محمد بيك أبى الذهب عندنا فى أرض القاهرة المواجه للجامع الأزهر الشريف كثرت أوقافه للإنفاق على العلم وعلى إيواء الغرباء حتى فاض الخير فكان من بنود الوقف أن تشترى الغلال وأن تنثر فوق مئذنة المسجد لإطعام طير السماء العابر، كان من توفيق الله تعالى للمؤتمر أن يطرح قضية الوقف وأن ينظر فى كيفية استثمارها وتوسيع دوائر الاستفادة منها.
وأكد وزير الأوقاف أن المؤتمر جاء لمناقشة قضية وسائل التواصل الحديثة فى عالم السوشيال ميديا وفى عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يموج العالم حولنا بطوفان هادر من الأفكار والتيارات حتى يتحول عالم السوشيال ميديا إلى الميدان الحقيقى للخطر الذى توجد فيه التيارات التى تختطف عقول أبنائنا لتجندهم فى سبيل الإرهاب فكان لابد من وجود مشرِّف للمسلمين فى هذا العالم وفى هذا الفراغ بما نقدم من خلاله مقاصد الشرع الشريف ومعانى الهداية.
وشدد وزير الأوقاف أن قضية القدس وفلسطين كانت وستزال القضية الأولى فى وجدان كل مسلم، حيث ندعو الله (جل جلاله) أن يعجل بالفرج على أشقائنا وأهلنا فى فلسطين عموما وفى غزة خصوصًا وأن يرفع الله تعالى كل ما نزل بهم من ظلم وقهر، ونطمح وندعو الله تعالى أن يهيئ اليوم الذى يتقرر فيه حق أشقائنا فى فلسطين فى إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ووجه رسالة فى نهاية كلمته قائلا:" من بلد الله الأمين من مكة المكرمة ينطلق صوتنا جميعًا معتصمين بحبل الله مؤتلفين مجتمعين، كلمتنا واحدة فى تقديم الهداية والإرشاد والعلم والأخلاق والرحمة وفى تقديم مقاصد الشريعة لكل دولنا وأوطاننا وشعوبنا بما يجمع القلوب ويحقن الدماء ويطفئ نيران العنف ويعيننا على مواجهة تحديات العصر وحمل مواريث النبوة ثم لتقديم الإسلام للعالمين دين الحق والهدى والخير والعلم واحترام الأكوان وإكرام الإنسان وحفظ الأوطان وزيادة العمران وازدياد الإيمان، سائلًا الله تعالى أن يكتب للمؤتمر كمال السداد والتوفيق وأن يكتب لبلادنا كمال الحفظ والأمان والرعاية.
وختم وزير الأوقاف كلمته بأننا كمصريين نعتز بالأخوة الكبيرة والتامة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولى عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، داعيا لمصر والمملكة وبلادنا كلها بكل الخير والأمان، وداعيا للمؤتمر بكل التوفيق.