- سيف الحموري - الكويت - الخميس 30 يونيو 2022 10:50 مساءً - الجلباب عندنا «الدشداشة» وفي اللهجة «دراعة».. ولبس «السراويل» عند العرب نادر
- الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس «بردة» يوم فتح مكة وأهدى كعب بن زهير بردة بعد أن عفا عنه
- البوصيري أنشأ قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأسماها «البردة» متأسياً بما فعله كعب بن زهير
بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم
هذا حديث لم أتطرق إلى مثله من قبل، لأنه يخص ما يلبسه الناس من الملابس، وما قد يتصل بها، ومن المعروف أنه لا غنى لبني آدم عن الألبسة لأن فيها الستر والحماية للبدن، ولذلك: فقد وصف الخالق عز وجل أهل الجنة فذكر ما يلبسونه في قوله تعالى: (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ـ الكهف: 31). (السندس: الثياب الرقيقة، والاستبرق: الديباج، وهو أغلظ من الأولى).
ـ وحين ذكر الله عز وجل المواضع التي لا ينبغي لأحد أن يدخلها إذا كان فيها أحد من أقاربه، حيث يضع هؤلاء في هذه الأثناء ملابسهم عنهم للاستراحة في وقت الظهيرة. وقد جاء ذلك في الآية الكريمة رقم 58 من سورة النور، ونصها:
(يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم).
ـ وفي الآية رقم 7 من سورة نوح، شكوى سيدنا نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من أفعال قومه، ونصها: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا).
فهم لا يريدون سماع ما يدعوهم إليه، ومن أجل ذلك فإنهم يسدون آذانهم، ويضعون ثيابهم على وجوههم.
وفي اللهجة الكويتية يقال للغطاء الذي تضعه المرأة على رأسها وتسدل منه على وجهها: الغشوة. وهي من هذا اللفظ الوارد في القرآن الكريم.
ونحن نقدم كل ذلك لكي نبين شيئا مما ورد في كتاب الله عز وجل مما فيه ذكر الملابس التي جعلها سترا في الدنيا، ومكرمة يتكرم بها على عباده، في الجنة بعد هذه الحياة التي نحياها.
>>
وقد لبس الرجال والنساء في الزمن العربي الماضي أنماطا من الألبسة نذكر هنا منها ما أمكن الاستدلال عليه، مع وصفه بحسب الإمكان، وذلك كما يلي:
1 ـ الإتب: وهو ثوب يشق في وسطه ثم تلقيه المرأة (كبيرة كانت أم صغيرة) في عنقها من غير جيب ولا كمين. والجيب هو الفتحة المعتادة في الثياب التي يوضع فيها الإزرار، وهي في اللهجة الكويتية كذلك. وكانت الفتيات الصغيرات أكثر ارتداء له في ذلك الزمن.
وقد ورد ما يدل عليه في شعر الشاعر أسماء بن خارجة.
وكان رجلا كريما ممدوحا، عاش في فترة الدولة الأموية، ومات بعد ستين سنة للهجرة، ومما قاله يذكر فيه أن من يهواها، إنما كان متعلق القلب بها منذ الصغر وأنها كانت تعيش في المدينة المنورة، ومن قوله هذا:
عَرَفَ الْحِسَانُ لها جُوَيْرِيَةً
تَسْعَى مَعَ الأَتْرَابِ فِي إِتْبِ
بِنْتَ الَّذِينَ نَبِيَّهُمْ نَصَرُوا
والْحَقَّ عِنْدَ مَوَاطِنِ الكَرْبِ
2 ـ الجلباب: سماه مؤلف «لسان العرب» القميص، وهو عندنا: الدشداشة، وهي قميص طويل. وذكر أنه ثوب واسع تلبسه المرأة جمعه: جلاليب، وهو في اللهجة دراعة وجمعه دراعات قالت إحدى النساء ترثي أخاها:
تمشي النسور إليه وهْيَ لاهية
مشيَ العذَارَى عليهِنَّ الجلابِيبُ
تقصد: أن النسور تمر به غير مبالية به. فقد كان ميتا.
3 ـ السراويل: جمع سروال، وحول استعمالها عند العرب القدماء حديث ذكره مؤلف كتاب «خزانة الأدب» 5/51 فقال: إن العرب لا تكاد تلبس إلا الأزر (جمع إزار) وهو في اللهجة الكويتية وزار وجمعه وزره، وتبعا لما كان عند العرب فقد كان أبناء الكويت حتى خمسينيات القرن الماضي لا يلبسون السراويل بل «الوزرة»، وهم يرون أن السروال لباس خاص بالنساء. وقص صاحب الكتاب بعد بيانه حكاية، فقال:
«ولبس السراويل عند العرب نادر، يروى أن أعرابيا مر بسراويل ملقاة على الأرض فظنها قميصا، فأدخل يديه في ساقيها، وأدخل رأسه فلم يجد منفذا. فقال: ما أظن هذا إلا من قمص الشياطين، ثم رماها» (قمص: جمع قميص).
4 ـ البردة: ذكر ابن منظور البردة في كتابه لسان العرب فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس بردة يوم فتح مكة، والبردة قطعة من قماش توضع على الكتفين، وتنسدل قليلا على الظهر. وهي غير البرد عندهم، فهو يشبه البشت المعروف لدينا.
وبذكر البردة نذكر ما يلي: ما روي عن الشاعر كعب بن زهير أنه جاء إلى الرسول الكريم مسلما، وكان قد أنذر بغضب الرسول عليه لإصراره على كفره، وتعريضه بنساء المسلمين، ولكنه عندما قدم المدينة سعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبدى إسلامه، وقال قصيدته الشهيرة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
مُتَيَّمٌ إثرها لم يُفد مكبول
فأهداه رسول الله البردة التي كانت عليه، بعد أن عفا عنه.
ومرت قرون حتى إذا جاء مطلع القرن السابع الهجري، وولد في سنة 1212 محمد بن سعيد البوصيري أنشأ قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم متأسيا بما فعله كعب بن زهير، وسماها البردة لذلك بغض النظر عن بعض الأسباب الأخرى التي ذكرت لهذه التسمية.
ومطلع قصيدة البوصيري:
أمِنْ تذكر جيران بذي سلم
مَزَجْتَ دمعا جرى من مقلةٍ بِدَم
أم هبَّت الريح من تلقاء كاظمةٍ
وأومض البرق في الظلماءِ من إضم
وفيها من ذكره للرسول الكريم:
وانسُب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطق بفم
لو ناسبت قَدْرَهُ آياته عظما
أحيا اسمه حين يُدْعَى دارسَ الرِّمَمِ
(آياته: معجزاته الدالة على نبوته، الدارس: الذي محي من الوجود).
وقد اهتم بها كثير من العلماء الذين عاصروا البوصيري أو الذين أتوا من بعده، كما اهتم بها الشعراء فعملوا قصائد على نمطها، وقام بعضهم بتخميسها بحسب الطريقة المعمول بها في الشعر.
أما العلماء فقد قام عدد كبير منهم بشرحها حتى إن النسخ المتوافرة اليوم من هذه الشروح لا تكاد تحصى، كما أن نسخ البردة المخطوطة كثيرة ومعتنى بها.
وممن اهتم بقصيدة البردة في العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي قال قصيدة فريدة على نمط قصيدة البوصيري غنتها كوكب الشرق أم كلثوم، وأحب الناس سماعها كثيراً، وكان مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم
أَحَلَّ سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا
يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
وقد استمر في البداية متغزلا، واصفا وشاكيا، ثم آب إلى الدنيا يشكو جنايتها عليه وتفريقها بينه وبين من يحب إلى أن وصل إلى مرحلة يلوم فيها نفسه التي يقول عنها:
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها
مُسْوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما
أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ
ومن هنا يبدأ في النصح، وبيان ضرورة الاعتبار بكل ما يمر به الإنسان في حياته الدنيا فيقول:
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ
وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
ثم يقول:
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ
في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصَمِ
ومن هنا يبدأ في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكرا ميلاده ودعوته والمعجزات التي ظهرت على يديه الكريمتين، وكل ما يمكن أن يقال في مديح سيد الخلق، ويختم قصيدته التي سماها نهج البردة بقوله:
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَـلى
نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ
مُحْيِيِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها
إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ
مُسَبِّحًا لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً
ضُرًّا مِنَ السُهدِ أَو ضُرًّا مِنَ الوَرَمِ
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَمًا
وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِــن سَأَمِ
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ
جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ
شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمي
وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً
في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ
الراكِبينَ إِذا نادى النَبِيُّ بِهِمْ
ما هالَ مِن جَلَلٍ وَاشتَدَّ مِن عَمَمِ
الصابِرينَ وَنَفسُ الأَرضِ واجِفَةٌ
الضاحِكينَ إِلى الأَخطارِ وَالقُحَمِ
ويختم بالدعاء الذي يرجو الله سبحانه وتعالى فيه أن يعدل أوضاع الأمة التي مالت في عصره إلى التراجع في الوقت الذي هبت فيه أمم أخرى من رقدة طويلة:
يا رَبِّ هَبَّتْ شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها
وَاستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ
سَعدٌ وَنَحسٌ وَمُلكٌ أَنتَ مالِكُهُ
تُديلُ مِن نِعَمٍ فيهِ وَمِن نِقَمِ
رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ
أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قـاضٍ وَمُنتَقِمِ
فَالطُف لأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا
وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفًا وَلا تُسِمِ
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ
فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ
أطلنا في موضوع البردة، ولكنه يستحق منا ذلك لارتباطه باسم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولما قيل في بردته المباركة من شعر رائع.
لبس العرب النعال منذ زمن قديم، وقد قيل إن أول ذلك كان في عهد أحد ملوك الحيرة القدماء، واسمه جذيمة الأبرش، أو جذيمة الوضاح، وكان هو آخر ملوك جماعته من قضاعة وهي فرع قبلي عربي كبير، وذكر عنه أنه كان من أفضل الملوك العرب الذين سادوا في الناحية التي كان يحكمها في شمالي جزيرة العرب.
وذكرت له أعمال جيدة عرف بها، فقد قيل إنه كان محاربا شديد المراس، وكان صاحب رأي، وعرف عنه أنه أول من أمر بصنع النعال، فمضى الناس إلى استعمالها منذ ذلك الوقت.
وقد كان أبوه ملكا من قبله في الموضع الذي كان الابن يسيطر عليه، وبقي الأب في ملكه مدة عشرين سنة، ومات جذيمة ابنه مقتولا، في سنة 268.
أورد ابن منظور في كتابه «لسان العرب» تفصيلا عن النعال ولكنه لم يذكر هو ولا غيره من المؤرخين واللغويين شيئا عن طبيعة ما كان يلبس في الأرجل قبل أن يرى جذيمة الأبرش صنعها.
في التاريخ الإسلامي حكاية عن امرأة عاشت حياتها في البادية، واعتادت على ما كانت تراه في مسقط رأسها حتى لا ترضى به بديلا.
وقد كتب لها أن تتغير أحوالها فتنتقل إلى حياة المدن، وترى الناس فيها وتعرف طباعهم، وعاداتهم في جمع الأحوال، وعلى الرغم من طيب المأكل ورقة الملبس في مكانها الجديد فإنها اشتاقت إلى وطنها الأول حيث العيشة التي اعتادتها مع أهلها وبقية قومها.
هذه المرأة هي ميسون بنت بحدل الكلبية، التي روى الرواة أن معاوية بن أبي سفيان رأس الدولة الأموية كان قد تزوجها، وانجبت له يزيد الذي تولى الخلافة من بعده.
وقد بدا عليها أن نفسها قد ضاقت بالمكان الجديد، وبخاصة أن معاوية قد تزوج بامرأة أخرى، مما أثار في نفسها الشوق إلى الماضي، والرغبة في العودة إلى ما كانت فيه، فقالت:
لَبَيْـتٌ تخفِقُ الأرواحُ فيه
أحبُّ إليَّ من قصرٍ مُنيفِ
وبَكْرٌ يتْبَعُ الأظْعانَ صَعْبٌ
أحبُّ إلى من بَغْلِ زَفُوفِ
وكلبٌ ينبـح الطُرَّاق عنّي
أحبُّ إليَّ من قِطٍّ ألوفِ
ولُبْسُ عباءةٍ وتقَرُّ عيْني
أحبُّ إليَّ من لِبْسِ الشُّفوفِ
وأكْلُ كُسَيْرَة في كِسْرِ بَيْتي
أحبُّ إليَّ من أَكْلِ الرَّغيفِ
إلى أن تقول:
خشونَةُ عِيشتي في البدْو أشهى
إلى نفـسي من العيشِ الظَّريفِ
فما أبْغي سوى وطني بديلا
فحسبي ذاكَ مـن وطن شريفِ
وفي شعرها نراها تفضل البيت الذي تخفق به الرياح (وهو يبدو أنه شبيه بيت الشعر عندنا) أفضل في نظرها من القصر المرتفع الشرفات.
وهي تفضل الجمل الفتي الذي تركبه عند أهلها وهو يتقدم الأضعان (النساء في الهوادج تسير بهن الإبل) وترفض البغل المسرع الذي تركبه في عاصمة الدولة. بل هي تفضل الكلب الذي ينبح طاردا عنها الطارئين، على القط الأليف في القصر الذي تسكنه عند زوجها.
كما أنها تحب لبس عباءتها، وتقر عينها بها مهما كانت، مفضلة إياها على الثياب الرقيقة التي تحصل عليها في بيت الزوجية، وهي ـ أيضا ـ تفضل أكل كسرة من الخبز تأكلها في ركن من أركان بيتها الصحراوي على أكل الرغيف في مكان آخر.
ثم تقول: إن هذا العيش الخشن الذي عشت فيه بالبوادي أشهى إلى نفسي من هذا العيش الجديد الذي أنا فيه.
وتؤكد ـ في آخر شعرها ـ أنها لا تريد غير وطنها، ولا ترضى به بديلا. وهو مقر كاف لها، بل تعتبره وطنا شريفا، يكسبها الراحة والأمن النفسي، وبه تعود إلى من كانت تخالطهم في الماضي.
هذا، ولقد سمع قولها زوجها معاوية بن أبي سفيان، فلامها على ذلك وقال لها: أنت في ملك عظيم، وما تدرين قدره، فلم تحر جوابا، مما دل زوجها على إصرارها على ما تريد، فطلقها وقال لها: الحقي بأهلك.
فغادرته إلى الموضع الذي تهواه. هذه حكاية جدير بنا أن نقدمها وإن طالت، ففي فقرة منها ذكر للمقارنة بين ملابس النساء ـ قديما ـ في الحاضرة وفي البادية.
ولم يبتعد الشعر الشعبي الكويتي عن ذكر الملابس ومن المعروف أن أهم ما يعنينا من ذلك ما جاء في وقت يسبق وقتنا الحالي، وكان الشعراء فيه يعبرون عن بيئتهم، ويذكرون كل ما يحيط بهم.
من هؤلاء الشاعر إبراهيم الخالد الديحاني المتوفى سنة 1954، وكان يقول شعره باللهجة العامية، ويتطرق فيه إلى موضوعات عدة أكثرها مما يهم الناس في وقته، ولذلك فقد أخذ شعره شهرة كبيرة في الوطن، وأسف الجميع على وفاته ورثاه عدد كبير من الشعراء منهم الشاعر عبداللطيف الديين، والشاعر عبدالله سنان.
ومما ذكره في شعره انتقاده لما حدث في الكويت سنة سميت سنة البشوت حيث تقرر بقرار من الأمير عدم لبس البشت لأن الناس كانوا يبذلون فيه مالا كثيرا بحساب تلك الأيام ولم يكن كل مواطن بقادر على ذلك، ولكنه يلزم نفسه به.
فمن أجل التخفيف، أراد الشيخ أحمد الجابر، أمير البلاد في ذلك الوقت، أن يرفع عن كواهل الناس ما الزموا أنفسهم به فأمر بعدم لبس البشت إلى حين وذلك بعد أن تعود الناس على عدم لبسه في جميع الأحوال.
وقد فوجئ الشاعر بهذا القرار عندما دخل سوق الكويت فوجد الناس غير لابسين لهذا اللبس الذي تعودوا على ارتدائه.
وعندما سألهم عن السبب في تركه فإن منهم من قال: إننا تركناه تنفيذا لأمر الشيخ، ومنهم من قال إننا الآن في عصر جديد والبشت لباس قديم فقال عندما شاهد الناس:
وِلّاي اشوف اللون في الناس أفراد
في دقلة والخيزرانه ابيمينَه
قلت السبب هل كيف تمشون لاعاد
بِشْتٍ إيْدفِّيكم عن البرد وينَهْ؟
قالوا تسمَّعْ لاعدمناك يا واد
عصرٍ جديدْ أُوْ توِّنا داخلينَهْ
ثم يتساءل:
هل كيف أذِبْ البشت من غير معتادْ
ما أشوفها ذربه ولا هي ابزينه
(دقلة: نوع من الملابس، ذربه: لطيفة ومناسبة).ومن الشعراء الشعبيين الذين يشار إليهم في الكويت الشاعر فهد بورسلي، وله أغان كثيرة تغنيها الفرق الشعبية كما يغنيها بعض الأفراد من المغنين والمغنيات، وفيها ـ أحيانا ـ ذكر الملابس، كقوله:
شِلِّلي ايْسَلِّيني عن الزين واصدُدَهْ
ضاقت عليّ الدار ما بين خلاني
حسبي على من علم الناس للمودَهْ
نفنوف وازلوف على حد الأوجانِ
(الزلوف: الشعر المسترسل على جانبي الوجه).
وقال:
أحمد نفنوفها والعباة امْنَ الكريب
ما تْميِّزْ صبغة الساق من نفنوفها
(نفنوفها: فستانها، ولونه أحمر، أما العباءة فهي من الحرير).
ويقول في إحدى سامرياته:
يا هَلِ البقمات والحجل والفركيته
ربي اللي حطكم فتنة العِشَّاقِ
وكل هذه من أدوات الزينة، الأولى للجيد (الرقبة) والحجل للرجل، والفركيته للشعر.
***
هناك تشابه كبير بين الملابس العربية القديمة، والملابس المستعملة في الكويت ماضيا أو حاضرا، خاصة ملابس النساء، ولقد كانت الملابس هنا متنوعة ومنها ما خرج عن دائرة الاستعمال في الوقت الحاضر.
ولكنها كلها مذكورة في الأذهان، وفي بعض الكتب التي صدرت بأيد كويتية توثق لها وتبين طرق استعمالها.
ونحن اليوم نشاهد عملا جديدا ـ بمعنى الكلمة ـ لم أر مثله في هذا الحقل من حيث الشمول وإيفاء الموضوع حقه. ويجدر بنا هنا أن نعرضه حتى يتبين الجهد المبذول في تأليفه.
عنوان الكتاب هو «ثقافة الأزياء»، من تأليف خالدة ابنة الأخ العزيز المرحوم أحمد صالح السبيعي. التي سبق لها القيام بعمل كتابي جيد يذكر لها بالتقدير دائما، هو الكتاب الذي ألفته عن والدها النوخذة أحمد السبيعي، فأوردت فيه سيرته الذاتية وقيامه بقيادة سفن السفر القديمة وصلاته الطيبة بالآخرين.
وإن من يقرأ كتابها الثاني «ثقافة الأزياء» ليعجب للجهد الذي قامت المؤلفة ببذله في سبيل الوصول إلى عرض غير مسبوق لهذا الموضوع الذي غفل عنه الكثيرون.
كما أن من يقرأه ليذهل لكثرة تنوع ما يتعلق بالأزياء فيه حتى لقد زاد على عرض الأشكال بذكر تاريخها، وببيان ثقافة الشعوب من حيث ملابسهم والألوان التي يفضلونها، بل وأنواع الحلي لديهم.
ويتكون هذا الكتاب من أحد عشر فصلا تتناول تأثير الأزياء وتأثرها بالبيئات المختلفة، فقد بينت المؤلفة أن الأزياء تخضع لتأثير الانتماء والديانة والحالة النفسية لأفراد المجتمعات المختلفة وهذا ـ فقط ـ على سبيل المثال.
كما تخضع لتأثير البيئة الجغرافية والقوانين والسلوك العام وغير ذلك.
جاء بعد ذلك فصل عن اللباس والزينة في الأديان المختلفة، وآخر عن أزياء النساء في الكويت والخليج العربي قديما، ثم لحق بذلك فصل عن الحلي والمجوهرات.
أما الفصل الخامس فكان عن أزياء الرجال في الكويت وفي دول الخليج العربي الأخرى. ولحق به الفصل السادس وكان عن أغطية الرأس للرجال والنساء وقد تضمن هذا الفصل دراسة تاريخية تتعلق بذلك.
وفي الفصل السابع ملامح من أزياء الشعوب لحقه فصل هو الثامن من فصول الكتاب يتناول موضوع صناعة الأزياء مع بيان دورها في التنمية العالمية، وقد أدت مباحث هذا الفصل إلى الوصول إلى مباحث ذات علاقة به جاءت في الفصل التاسع فكان ذلك عن تسويق الأزياء وجوانب ذلك والمهارات المطلوبة للقيام به.
وجاء الفصل العاشر لكي ينفرد بالحديث عن الموضة مع بيان جوانبها الوظيفية بما في ذلك ما يقوم به المصممون، ومحللو الموضة والمصورون وكل من يعمل في هذا الحقل.
وأبت المؤلفة إلا أن تجعل الفصل الحادي عشر، وهو آخر فصول كتابها القيم، فصلا خاصا بعبقري الموضة الفرنسي الشهير ايف سان لوران. وقد تحدثت في هذا الفصل عن سيرة هذا الرجل الذي وهب نفسه للموضة، ورفع قدر العاملين في مجالها، وحول العمل في صناعة الثياب إلى فن وثقافة وعلم يدرس.
وفيما نجده في كتاب خالدة السبيعي عن هذا الرجل إطراء له هو الوحيد من نوعه، فهي بعد أن ذكرت سيرته وطموحه، ألحقت ذلك بذكر وسائل نجاحه، ثم أكدت في فرع من فروع هذا الفصل أمرا ربما جهله عدد كبير من أبناء أمتنا العربية هو أن ايف سان لوران عاشق للتراث العربي، ومتأثر بما رآه من آثار هذا التراث في مدينة مراكش المغربية.
وقد عدت اهتماماته بهذا التراث من أهم المصادر التي ألهمته، وجعلته يبدع كل ما رأينا له من أعمال.
سلمت يداك يا خالدة، فقد قدمت عملا رائعا نادر المثال، غير مسبوق. وهذا يجعل عليك أن تتحملي مسؤولية المتابعة حتى ترينا أعمالا أخرى على هذا النمط العالي من المتابعة والبحث والغنى في المعلومات.. وفقك الله.
***
هذا خروج عن المعتاد في المسامرات، ولكنه موضوع مفيد من حيث إنه يقدم معلومات لابد أن تعرف، وهي ـ أيضا ـ لا تخرج عن موضوعات أحاديث السمر التي يعتادها الناس. أرجو أن يكون فيما تقدم الفائدة.