الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

تجارة السلاح.. الكويت تسهم في استقرار المنطقة ووقف المنازعات.. بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم

  • سيف الحموري - الكويت - الأحد 13 مارس 2022 08:58 مساءً - الشيخ مبارك الصباح دعا أصحاب السفن الكويتية للالتزام بالنظام وعدم الانسياق وراء المكسب السريع.. وأبلغهم بأن التفتيش واجب في حالة الشك بوجود أسلحة
  • بريطانيا والكويت تعاونتا باهتمام في توفير السلاح الملائم للجيش وأن يكون في أحسن حالاته تحسباً لأي مفاجأة قد تمر بها البلاد
  • لم يتردد الشيخ مبارك الصباح في تنمية قوة الجيش وسدّ احتياجاته وكان همّه تثبيت حدود الوطن وإبعاده عن المطامع
  • الجيش الكويتي بدأ دقيق التنظيم بما يضمن له حُسن التصرف عند الحاجة وكان له دور كبير في تاريخ المنطقة وشارك في معارك خارج الحدود

في هذا الفصل - وعلى غير المعتاد - يكون ما ينشر خاصا بموضوع واحد هو ما يخص السلاح، لأن هذا الذي سوف نتطرق إليه هنا، أمر كان مهما في وقته من الناحية الدفاعية ومن الناحية التجارية. وكانت الأحاديث الخاصة بذلك تتوالى منذ عهد حكم الشيخ مبارك الصباح وسوف نورد كل ما يتعلق بهذا الموضوع مبتعدين عن ذكر ما يتصل بأمر السلاح وشرائه، بعد التاريخ الذي نقدم عنه هذه الأوراق لأن الوضع الحالي مختلف جدا في الكويت وفي العالم عن ذلك الوقت الذي آثرنا أن نخصه بالبحث في شأن السلاح، وما يتعلق به.


دون أن ننسى الفقرة الخاصة باللهجة الكويتية وقد جعلنا الجزء السادس من هذا الفصل بديلا عن الجزء الخاص باللهجة لأنه يحتوي على بعض ألفاظها.1 - موقف بريطانيا من تجارة السلاح

كانت مسألة الاتجار بالأسلحة - في وقت ما - من أكثر الأمور إثارة لاهتمام السلطات المهيمنة على المنطقة والمتمثلة في الجانبين البريطاني الذي اهتم فيما يتعلق بالجانب العربي من الخليج، والإيراني الذي اهتم بالجانب الفارسي منه، وقد كانت الرغبة في استقرار المنطقة ووقف المنازعات من أهم الأسباب التي دعت إلى هذا الاهتمام.

وكان الشيخ مبارك الصباح قد تباحث مليا مع السلطات البريطانية التي طلبت إليه الوقوف إلى جانبها في هذا الأمر المهم، وتم الاتفاق على أن يقوم من جانبه بتحذير أصحاب السفن الكويتية من الانسياق إلى هذا المجال الخطر وتنبيههم إلى أن الرغبة في المكسب السريع لا تتناسب مع العواقب الوخيمة التي تترتب على الإقدام على ما هو محظور، وأن يوافق على أن تقوم السلطات البريطانية والفارسية بتفتيش كل السفن في عرض البحر دون أن يشعر بأي حساسية تجاه ذلك ما دام الأمر بهذا الحجم من الأهمية.

وتنفيذا لذلك، فقد أصدر الشيخ مبارك الصباح في اليوم الرابع والعشرين من شهر مايو لسنة 1900م بيانا يوضح فيه لأصحاب السفن هذا الموقف، ويدعوهم إلى الالتزام بالنظام، وعدم التشبه بأصحاب السفن الأخرى التي اتخذت من تهريب الأسلحة والاتجار بها عملا لها، وأبلغ الجميع بأن السفن كلها خاضعة للتفتيش في حالة الشك بوجود أسلحة على متنها، ومن ثم إن وُجد شيء من ذلك فإن مصيرها سوف يكون المصادرة.

وهذا هو نص البيان:

«من الشيخ مبارك بن صباح حاكم الكويت.

فليعلم الواقفون على كتابنا هذا أن مناور الدولة البهية القيصرية الانجليزية ومناور الدولة العلية الإيرانية لهم إجازة ان يفتشوا السفن التي عليها بيرق الدولتين الفخمتين المذكورتين وبيرقنا في البحر المتعلق على الكويت وان يقبضوا بطريق بيت المال جميع التفقان (جمع تفق، وهو البندقية). وساير الاسلحة الحربية الموجودة فيها إن كانت الاسلحة الموجودة محمولة الى بنادر الهند وممالك العجم فجميع سفن أهالي الكويت حين مصادفتهم في البحر المتعلق بالهند او بالإيران بمناور الدولتين الفخيمتين الانكليز والإيران إذا يظن فيها حمل الاسلحة الى بنادر الهند وممالك الايران والكويت تكون معرضة لتفتيش المناور المذكورة، وجميع الاسلحة التي توجد فيها ستقبض بطريق بيت المال.

تحريرا باليوم الرابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318هـ مطابق ليوم الرابع والعشرين من شهر مي المسيحي سنة 1900م.

2 ـ البحث عن مصادر السلاح

سيطرت السلطات البريطانية في الخليج على تجارة السلاح وحظرت توزيعه أو بيعه في كافة المناطق رغبة في الحد من التعديات، وإقرار الهدوء بين الأهالي.

وفي الوقت نفسه فإن الشيخ مبارك الصباح بصفته حاكما للكويت يحتاج الى ذلك السلاح حماية لوطنه ومواطنيه.

ولذلك فإننا نجد مراسلاته المتعددة مع الوكيل السياسي البريطاني تطالب بالترخيص في استيراد السلاح من أجل تسليح الجيش وسد حاجة رجال القبائل الذين كانوا يدافعون به عن انفسهم عندما يكونون بعيدين عن المدن.

وقد كتب الشيخ مبارك الصباح في الثاني والعشرين من شهر شوال لسنة 1328هـ (الموافق 26/11/1910م) الى الكابتن شكسبير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، يعرض له حاجة البلاد الى كمية من الاسلحة الدارجة في ذلك الوقت ويقول له: «نعرض لصوبكم العالي مقتضى لنا ولأولادنا وعسكرنا اسوارية ثلاثماية تفق أمهات خمس، والآن التفجان المذكورة موجودة في مسقط فإذا بعد هذا يوجد في مسقط من هالجنس امهات خمس الذي هيه باب اسواريه هم (ايضا). يقتضي لنا منها مايتين لتكميل خيالتنا ايضا مقضى لنا ألف وثمانماية تفق مارتيني بين طويلة وقصيرة، ومعها فشك الذي ينشرا معها وايضا آدمينا (مندوبنا). يشتري زيادة كثر الذي يتبع التفق لأجل نذخره، ونرجو من حضرتكم العالية الرخصة بذلك، فنحنا عيَّنا محسوبا حجي نجف لانه راعي صنف (صاحب دراية في السلاح).

الذي يوجد في مسقط حسب المطلب يشريه والذي ما يوجد حسب المطلب يجلبه من لندن، هذا مالزم».

فهو هنا يحدد العدد المطلوب، والنوع الملائم، للمشاة وللخيالة، من الملاحظ انه نص على نوع من البنادق يسمى مارتيني، وقد اشتهر به الجيش الكويتي حتى سمي هذا النوع: الكويتي، وذاعت هذه التسمية في المنطقة آنذاك، ولا ينسى أن يطلب الذخائر المناسبة، والكميات التي يحتاجها منها، مؤكدا على طلبه الترخيص باتخاذ الاجراءات المناسبة لاستيراد هذه الاسلحة، ويذكر للوكيل اسم المندوب المعتمد للقيام باختيار المناسب وشراء الاسلحة من سوق مسقط او من بريطانيا إذا لم يتوافر المطلوب كاملا هناك.

وقد ارسل الكابتن شكسبير هذا الطلب الى الكولونيل كوكس القنصل العام البريطاني في الخليج الذي قام بدراسته ورد على الشيخ مبارك برسالة أخرى مطولة تحدث فيها عن مطالب الشيخ من السلاح في تفصيل موسع، أورد فيه مصير المطالب السابقة، والمطلب الحالي دون تردد في الموافقة على كل ما أراده الشيخ، وهكذا نرى مدى اهتمام الطرفين بالتعاون، مدى حرص الشيخ مبارك على أن يكون جيشه في أحسن حالاته من حيث توافر السلاح بيده تحسبا لأي مفاجأة قد تمر بها البلاد.

3 ـ الشيخ مبارك الصباح وسلاح الجيش الكويتي

اهتمام الشيخ مبارك الصباح بجيش بلاده كبير، وحرصه على حماية الوطن وأهله يتجاوز الحدود، بحيث نرى أن مراسلاته مع الجانب البريطاني ينصب اكثرها على أمرين احدهما تثبيت حدود الوطن، وإبعاده عن المطامع، والثاني هو تسليح الجيش. وفي هذه الرسالة الصادرة منه في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر لسنة 1910م يتجاوز الشيخ المعتمد البريطاني في الكويت ليكتب الى القنصل العام البريطاني في الخليج الكولونيل كوكس عارضا عليه تصوراته حول احتياجات الجيش من السلاح قائلا: «عرَّفنا وكيلنا في مسقط ان يرسل تفقين من أمهات خمس التي هي استعمال الخيالة، وبتاريخه أرسل لنا تفقين رأيناهما على حسب مطلبنا لاستعمال خيالتنا».

وذكر الشيخ انه تباحث مع المعتمد البريطاني حول هذا الأمر فاستدل من حديثه على أن أسعار السلاح في تلك الايام متهاودة، مما يجعله يتنبه الى انه من الافضل شراء كمية مناسبة تبقى في مسقط الى ان يحين وقت جلبها إلى الكويت وفق النسب المحددة لجلب السلاح، ثم يذكر في رسالته أسعار الاسلحة وملحقاتها في الكويت وخارجها، مما يدعو إلى المبادرة الى الشراء، ثم انتظار امر الترخيص بنقل المشتريات الى الكويت.

وفي ختام الرسالة يقول: «وإني بحسب أمركم العالي أمرت محسوبنا خادمكم الحاج نجف بالتوجه الى مسقط تحت نظركم العالي، ليشتري مطلبنا من التفق والفشق، ويبقيه في مسقط، ويتقيد على حفاظه في المحل الموثوق الى ان يصدر امركم العالي بالرخصة».

في الحادي عشر من شهر يناير لسنة 1911م أرسل الكولونيل كوكس ردَّه على الشيخ مبارك الصباح يعتذر فيه عن التأخير في الرد بسبب سفره من مقر عمله، ويؤكد تقديره الكبير للشيخ مبارك، ويدرج في الرسالة طلبات الشيخ تفصيلا، وقد أوضح ان شراء عدد من الأنواع المطلوبة من الأسلحة أمر لا اعتراض عليه، ولكنه يأمل في تخفيض بعض الكميات الأخرى التي يلفت زيادتها النظر دون ان يؤثر عدم الحصول عليها على مستوى التسليح المطلوب للبلاد، ويقول: «إننا نتيقن أن جنابكم ما برح في خاطركم الرأي المندرج في كتابنا اليكم من خصوص الأقاويل غير المرغوبة التي تنتج عن مشتروات جنابكم هذا المقدار العلاوة من الأسلحة والفشق».

على كل حال لم يتردد الشيخ مبارك في تنمية قوة جيشه، ولا في سد حاجته من اللوازم المهمة.

4 - الشيخ مبارك وحاجات التسليح

امتدادا للحديث عن السلاح في ايام الشيخ مبارك الصباح نقدم هذه الوثيقة التي صدرت من الشيخ في 17 من شهر محرم لسنة 1329هـ وهي وثيقة تضم رسالة طويلة وجهها الشيخ الى الكرنل ماكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج. وفيها يتحدث عن اهمية السلاح وحاجته المتزايدة اليه وهو في هذه الرسالة يطلب من الوكيل المذكور ان يبلغ الوكيل السياسي البريطاني في مسقط بالسماح بتصدير العدد المطلوب الى الكويت، ويتكون هذا العدد من خمسمائة بندقية من امهات خمس مع كل واحدة أربعمائة رصاصة، وألفين من نوع مارتيني مع كل واحدة مائتي رصاصة. وكانت هذه الرسالة ردا على رسالة كان المقيم السياسي البريطاني في الخليج قد بعثها الى الشيخ، ويبدو أنه كان يستغرب الاعداد التي طلبها، ويرى عدم حاجة الكويت الى المزيد من الأسلحة بالقياس الى الحاجة الفعلية وتوافر عدد كاف في البلاد، ولذا نرى الشيخ مبارك يرد على ملاحظاته قائلا: «من جهة زيادة الفشق (الرصاص مفرده افشقه). على ما يتبع الاتفاق فهو يشكل على الدولة البهية، ويتصورون ان مقدار هذه الزيادة (لا) تشتمل على ضرورياتنا الطبيعية، أعرض لحضرتكم بالطبع أنها من الضروريات الطبيعية من وجهتين، الوجهة الأولى اننا منعنا تجارتها وانقطعت مواردها، والوجهة الثانية، يلزمنا ان نكمل تسليح عشائرنا لأجل المدافعة والمحافظة على التجارة، وتأمين الطرق، فضلا عما نحتاج إليه لتسليح الأولاد المتخرجين من المكاتب، فمطلبنا قليل بالنسبة الى احتياجاتنا».

ثم قال: «هذا من جهة لزوم (التفق)، وأما من جهة (الفشق) - ايضا - نبين لحضرتكم ان عسكرنا وعشائرنا ما يشبهون العساكر المدربة الذين لا يصرفون الفشق الا عند اللزوم، وتُحصى صرفياتهم، فالعشائر يصرفون اغلب الفشق لطربهم في الأعراس والأعياد واقتناص الحيوانات من ظبي وحصني وحباره، ولازلنا نشدد عليهم في حفظ الفشق، وفي كل شهر نرسل مفتشين ونجد بالماية عشرين قصيرة (نقص)، معروفة على ما بيناه فمن هذه الاسباب نحتاج لزيادة (فشق)». ثم يسوق تعريضا يبين فيه انه قادر على الشراء من جهة أخرى اذا تردد المقيم السياسي في الموافقة، فيقول: «ونحن يترددون علينا بعض الأجانب يتعهدون بوصول السلاح لنا، ولم نقبل منهم». وفي الختام يؤكد على طلبه السابق، ويفوض وكيله في الشراء نيابة عنه.

5 - الجيش الكويتي قديماً

الجيش الكويتي مؤسسة قديمة النشأة، وكان له تنظيم دقيق، ويحظى برعاية الأمراء واحداً بعد الآخر، على أن عناية الشيخ مبارك الصباح بالجيش كانت واضحة، فهو يرعى رجاله ويوفر لهم اسباب الراحة، ويهيئ لهم التدريب المناسب، والسلاح الذي هو اهم ما يكون لكل جيش، وقد شارك جيش الكويت منذ القدم في عدد من المعارك سجلها التاريخ، وبقي ذكر بعضها خالدا الى هذا اليوم، وحافظ على مكانة الكويت ومكاسبها وحدودها.

وقد كان الجيش دقيق التنظيم، يتكون من قطاعات مختلفة وفق مسميات اطلقت على هذه القطاعات في ذلك الوقت، مما يضمن له حسن التصرف عند احتدام القتال، او عند حدوث النوازل. وفي صورة تمثل قسما من الجيش الكويتي في عهد الشيخ مبارك الصباح (1896 - 1915) يرى الخيالة فيها وقد رفعوا علم الكويت ومعهم بنادقهم وسيوفهم ورماحهم وقد وقفوا على اهبة الاستعداد لحماية وطنهم، ونصرة صديقهم، فلقد كان لهذا الجيش دور كبير ليس في تاريخ الكويت بل في تاريخ المنطقة بأسرها، وشارك في مناسبات عدة في كثير من المعارك التي دارت خارج الحدود نجدة لصديق او دفعا لعدو.

وقد ذكر المعتمد السياسي البريطاني في الكويت الكابتن شكسبير في 30/3/1910 تفصيلات كثيرة متصلة بالجانب العسكري الذي كان يرعاه الشيخ مبارك، فمن ذلك قوله ان الجيش الكويتي كان يضم وحدات عسكرية تسمى كل وحدة منها الخبرة، وتتكون الخبرة من عشرة رجال و7 نياق بتجهيزاتها مع خيمة واحدة، وبموجب ذكريات شكسبير فإن الشيخ مبارك حشد للحملة التي اعدها ضد الشيخ المنتفق كان ذلك في العام 1910 ما يلي:

٭ 75 خبرة مولها 15 من كبار التجار.

٭ 200 خبرة مولها صغار التجار وأصحاب الحرف.

٭ 25 خبرة مولها أصحاب السفن والغواصون.

٭ 300 خبرة مولها الشيخ مبارك شخصيا.

وهذا مجموعه 600 خبرة، يعني ذلك تجهيز قوة من 6000 رجل و4200 ذلول، وذكر المعتمد البريطاني ان تكاليف الذلول بكل المعدات تبلغ 200 دولار، وتكلفة البندقية 35 دولارا، وتكلفة إطعام الجندي لعشرة أيام تبلغ 5 دولارات، كما ذكر ان الشيخ سيضم الى هذه الحملة 6 آلاف رجل آخرين من البادين يمول الشيخ تكاليف إطعامهم التي تبلغ 30 ألفا، وسيتحمل الشيخ تكلفة ثمن الذخيرة اللازمة وتقديرها 35 ألفا بمعدل 50 طلقة لكل رجل ثمنها 3 دولارات.

وإذا كانت هذه النبذة تبين لنا حجم الانفاق الذي كان يصرف على الجيش الكويتي في ذلك الوقت مقارنة بمستوى المعيشة في حينه، فإن هذا الجيش هو الذي كفل استتباب الأمن وحماية الوطن.

6 ـ النداء الحربي القديم

«أنا أخو مريم».

هذا هو نداء الحرب في الكويت قديما، وكان يردد كلما دعا الداعي للدفاع عن الوطن، واخوان مريم هم آل الصباح، والنداء في الاصل نداؤهم، واول من نادى به هو الشيخ عبدالله بن صباح المتوفى في العام 1814، وكان ذلك عندما طلب أمير بني كعب الزواج من مريم اخت الشيخ بقصد الاهانة، ولكن طلبه رد بإهانة مثلها، وقد هدد الأمير الكعبي بغزو الكويت، وحدث ذلك في معركة الرقة الشهيرة التي بدأت عندما أقبلت سفن بني كعب الى الكويت، ونادى الشيخ جابر الأول قائلا: وأنا أخو مريم، قاصدا انه جدير بالدفاع عن أخته وعن وطنه، وقد تغلب اهل الكويت على عدوهم في تلك المعركة واعادوه خاسرا ذليلا.

ولآل الصباح نداء حربي آخر هو «أولاد سالم»، وقد أطلقه الشيخ سالم المحمد الصباح (هو ابن عم الشيخ جابر بن عبدالله الذي سيرد ذكره)، في المعركة التي تمت بين الكويتيين وقبيلة النصار التي كانت تسكن منطقة البريم على الشاطئ الشرقي لشط العرب، وكانوا قد قتلوا احد الكويتيين، فهب الكويتيون للأخذ بثأر القتيل، وتأديب المعتدين، وعند المواجهة ألقى الشيخ سالم نفسه في الماء منطلقا إلى عدوه وهو يعض على سيفه، وعندها انقض قومه على اعدائهم وهم يصيحون نحن اولاد سالم، وقد أرهبت الصيحة والاندفاع والاقدام التي اظهرها الجانب الكويتي الاعداء، فصار النصر من نصيب الكويتيين في شهر سبتمبر 1827، ومنذ ذلك اليوم صار هذا النداء الحربي مرادفا للنداء الاول، وكان ذلك في عهد الشيخ جابر الاول المتوفى في العام 1859، وكان من أبرز حكام تلك الفترة، وسمي جابر العيش لكرمه، ولأنه كان يطعم الطعام للمحتاجين، وكان هادئ الطبع عاقلا يحب شعبه الذي يبادله الحب نفسه، وفي عهده خرج ابناء الكويت للمشاركة في عدد من المعارك، وكان حريصا على الكويت وكرامتها، وفي عهده قدم عدد من الانجليز الى البلاد وسعوا الى مقابلته طالبين بعض التسهيلات التي كان منها البناء في الكويت، فلم يقبل لهم طلبا، واصر على موقفه منهم، وعندما سألوه: أتسمح للحكومة العثمانية في نزول بلدك والبناء فيها ام تمنعها كما منعتنا؟ فرد عليهم قائلا: نمنعها من ذلك اذا كان فيه ضرر علينا وعلى بلدنا.

وهكذا يكون حرص الأمير المسؤول الذي أبى ان يفرط في بذرة تراب من وطنه، وقد حفظ له التاريخ مواقف عدة من هذا القبيل، مما رفع اسم الكويت في وقته، وجعل اسمها على كل لسان (تاريخ الكويت لعبدالعزيز الرشيد، مرجع سابق، القسم الأول ج2، ص12 وص19).

Advertisements
Advertisements