الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

60 عاماً على إقرار الدستور.. مسيرة ديموقراطية ثرية

سيف الحموري - الكويت - الخميس 10 نوفمبر 2022 10:09 مساءً - تصادف اليوم الجمعة الذكرى الـ 60 على إقرار دستور الكويت، يستذكر فيها الكويتيون تاريخاً مشرفاً من الإنجازات تحققت عبر مسيرتهم الديموقراطية الثرية بالاستحقاقات والمحطات المؤثرة والمفصلية في تاريخ البلاد.

ففي 11 نوفمبر عام 1962، صادق أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، (الحاكم الـ 11 للبلاد)، على دستور الكويت (المعمول به حاليا)، الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الحياة السياسية في البلاد.

ويستحضر الكويتيون بكل فخر واعتزاز المحطات التاريخية التي مرت بها البلاد خلال مسيرتها الديموقراطية منذ نشأتها مرورا بالوثيقة الدستورية في عام 1938 حتى ولادة (دستور 1962)، وهي الوثيقة المهمة والأبرز في تاريخ البلاد. وشكّل دستور 1962 نقلة نوعية نحو دولة حديثة قائمة على مؤسسات دستورية ومنهجا لحياة الكويتيين ونظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأكد حقوق المواطن المدنية وحقه في التعبير والتمسك بثوابت العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.

وتحقيقاً لهذه الرغبة، أصدر الأمير الراحل في 26 أغسطس 1961 قانوناً بشأن النظام الأساسي لفترة الانتقال وإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي الذي يهدف إلى وضع دستور دائم للبلاد.

وفي يناير عام 1962، تم افتتاح المجلس التأسيسي، حيث ألقى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة الافتتاح، قال فيها «بسم الله العلي القدير نفتتح أعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل». وانتخب أعضاء المجلس المرحوم عبداللطيف محمد ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي، فيما انتخب المرحوم د.أحمد الخطيب نائبا له.

وفي الجلسة السادسة من عمر المجلس التأسيسي، تم انتخاب لجنة الدستور وضمت خمسة أعضاء، هم: المرحوم عبداللطيف الغانم رئيس المجلس التأسيسي، و(الأمير الوالد الراحل) الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، وكان حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة إعداد مشروع الدستور، والمرحوم حمود الزيد الخالد وزير العدل (عضوا منتخبا)، والمرحوم يعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس وأمين سر اللجنة، والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي.

وعرضت اللجنة المشروع النهائي للدستور على المجلس التأسيسي الذي أقره بإجماع أعضائه في جلسة 3 نوفمبر 1962، ثم قام المجلس بدوره بتقديم مشروع الدستور الى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الذي صادق عليه وأصدره في 11 نوفمبر 1962، وكان على الصورة التي أقرها المجلس، ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره. ويتألف الدستور الكويتي من 183 مادة موزعة على خمسة أبواب، أولها عن الدولة ونظام الحكم، والثاني عن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، والثالث عن الحقوق والواجبات العامة، أما الرابع فكان عن السلطات، واشتمل على خمسة فصول الأول عن الأحكام العامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية، فيما احتوى الباب الخامس من الدستور على الأحكام العامة والمؤقتة.

وأجريت أول انتخابات برلمانية شاملة في الكويت بموجب أحكام الدستور الجديد لاختيار أعضاء مجلس الأمة في يناير 1963، وكانت إيذانا ببدء الممارسة السياسية تحت ظل أحكام الدستور الوليد. ومرت المسيرة الديموقراطية في الكويت بالعديد من الأزمات منذ صدور الدستور إلى الغزو العراقي الغاشم، إذ شهدت البلاد خلال هذه الفترة ستة مجالس برلمانية وقفت الحياة النيابية خلالها مرتين، الأولى عام 1976 حينما تم حل المجلس وتعطيل العمل ببعض نصوص الدستور، أما الأزمة الثانية فكانت في عام 1986 حين تم حل المجلس مرة أخرى وأوقف العمل بالدستور.

وشكّل أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، في 10 فبراير عام 1980 لجنة للنظر في تنقيح الدستور مؤلفة من 35 شخصية كويتية من مختلف التوجهات، وعقدت اللجنة 18 اجتماعا لمناقشة 13 مقترحا من الحكومة لتنقيح بعض مواد الدستور، وفي 22 يونيو 1980 أنهت اللجنة المعينة أعمالها.

وكان الدستور طوال مسيرة الحياة الديموقراطية في الكويت الحصن المنيع في مواجهة الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية، لاسيما كارثة الغزو العراقي الغاشم في أغسطس 1990، حين توحّد الكويتيون في الداخل والخارج قيادة وشعبا تحت ظل وراية الشرعية.

وبعد تحرير البلاد من براثن الاحتلال العراقي عام 1991، صدر مرسوم أميري بتشكيل حكومة جديدة لإعادة الإعمار والبناء، وفي أبريل من العام نفسه ألقى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمة قال فيها إن «الشورى والمشاركة الشعبية في أمور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة، إلا أن عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة». وفي أكتوبر 1992، عادت الحياة النيابية مرة أخرى ليمارس المجلس مهامه التشريعية والرقابية.

وعلى هذا النهج سار أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، الذي كان يؤكد في كل مناسبة وخطاب حرصه على التمسك بما جاء في الدستور، وقال في كلمة له خلال النطق السامي في دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الـ15 لمجلس الأمة «إذ نؤكد مجددا إيماننا بالديمقراطية فكرا ونهجا وممارسة.. وحرصنا عليها ودعمنا لها فقد عملنا وسنظل نعمل على ترسيخها ورفع قواعدها وكنا نأمل ونتطلع وقد مضى على انطلاقتها الحديثة أكثر من خمسين عاما ان تكون قد بلغت او قاربت مرحلة النضج والرشاد».

ودائما أكد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، في مناسبات عدة الحرص على التمسك بالدستور والقانون والحفاظ على الوحدة الوطنية باعتبارها السياج الذي يحمي الكويت والكويتيين والحصن لمجابهة التحديات. وما كان حل مجلس الأمة حلا دستوريا في الثاني من أغسطس الماضي والدعوة لتصحيح المسار بعد تأزم المشهد السياسي أخيرا إلا للتأكيد على الاحتكام إلى الدستور باعتباره الضمانة لاستقرار البلاد وأمنها.

وأكد سمو أمير البلاد ذلك في النطق السامي الذي ألقاه نيابة عن سموه، سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، في افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الـ17 لمجلس الأمة في 18 أكتوبر الماضي بالقول «ها نحن قد وفينا بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا في خطابنا الذي ألقيناه بتاريخ 22 يونيو 2022 حيث تم الاحتكام الى الدستور فتم حل مجلس الأمة حلا دستوريا واحترمنا كذلك استنادا إلى نصوص الدستور إرادة الشعب باعتباره صاحب الكلمة المسموعة في تقرير مصيره، فكانت هذه الإرادة الشعبية هي التي أوصلت الأعضاء إلى مجلس الأمة ليكونوا نوابا فيه دون تدخل منا».

Advertisements
Advertisements