- سيف الحموري - الكويت - الأحد 13 نوفمبر 2022 09:07 مساءً - علم الاجتماع.. وأسباب الظاهرة
- النظر إلى فكرة الانتحار باعتبارها صرخة لطلب المساعدة فهي ليست بالضرورة علامة على رغبته في الموت بل قد تكون مؤشراً على المعاناة من ألم عاطفي كبير
إعداد الكاتبة / شذى الفوزان
على الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية في الكثير من البلدان مرتفعة الدخل، إلا أن كثيرا من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة، حيث تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشاكل المالية، أو الانفصال عن الحبيب أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة أو عدم الشعور بالأمان وغياب الوازع الديني. ويحاول الانتحار كل عام أكثر من 700 ألف شخص بحسب منظمة الصحة العالمية، حيث تمثل تلك الظاهرة السبب الرئيسي الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما. وكنا قد وقفنا عند ظاهرة الانتحار في صفحتنا من قبل تحت عنوان «الانتحار ظاهرة أم سحابة عابرة»، متسائلين هل هي ظاهرة أم مجرد سحابة عابرة في بلدنا؟ وأوضحنا العديد من الأسباب التي تودي بالإنسان إلى هذا المصير المشؤوم. إلا أن حالات الانتحار أطلت برأسها من جديد في أماكن مختلفة، وفئات عمرية صغيرة للأسف وفي مقتبل الحياة سواء طلاب ثانوي أو طلاب جامعة. فكان واجبا علينا أن نتناول الحلول العملية الممكنة من خلال التخصصات المتنوعة ما بين دور علم النفس وعلم الاجتماع ودور رجال الدين ورجال القانون، وتناول آراء الخبراء الأفاضل بشكل مفصل حول هذه الظاهرة. سعيا إلى الإسهام في إخلاء الكويت منها قدر الإمكان.
حرام شرعاً
بداية، يؤكد الداعية محمد عبدالرحمن البطحي أن الانتحار بأن يقتل الإنسان نفسه عمدا حرام شرعا لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم).
ويقدم الداعية البطحي وصفة للحل العملي، تتمثل في: إنشاء مركز يتلقى مكالمات المقدمين على الانتحار، أو من لديهم مشكلة عاطفية، أو الذين يعانون من ضيق الصدر، وهذه الخدمات تقدم ليلا ونهارا وبالمجان، مع حملات التوعية في المجتمع من خلال جميع وسائل الإعلام، وإخضاع الظواهر السلبية في المجتمع للدراسة والبحث حتى تعرف أسبابها ودواعيها، وهذا أمر يحض عليه الدين من باب فعل الخير والمسؤولية تجاه الرعية في أي مجتمع مسلم.
وعن ضرورة تحرك علماء الدين للوقوف بوجه هذه الظاهرة المدمرة، أوضح البطحي أن الأدوات المتوافرة للعلماء هي وسائل التواصل الاجتماعي والمساجد بما تحتويه من دروس وخطب جمعة، ولا شك أن كثيرا من المشايخ والعلماء قام بهذا الدور لكنه يحتاج إلى تشريعات دافعة وإلى تبني الحكومات لنجاحه.
وضرب مثالا على دور الحاكم بعدم صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم (حاكم المسلمين) على المنتحر وهو ما يمثل ردعا لغيره عن القيام به.
مشكلة خطيرة
أما من جانب وجهة النظر النفسية إزاء ظاهرة الانتحار فأوضح المختص النفسي د.بسام البطحي استشاري طب العائلة والمرشد النفسي أن الانتحار مشكلة خطيرة لها آثارها طويلة الأمد على الأفراد والأسر والمجتمعات.
وأضاف ان هذه المشكلة يمكن تجنبها عن طريق استراتيجيات جادة على جميع المستويات. ومنها المستوى النفسي، حيث يقوم دور المختصين النفسيين بزيادة وعي المجتمع بعلامات الخطر التي يعاني منها كل من هو على شفا الانهيار النفسي، وتعزيز الوقاية والمرونة النفسية لدى أفراد المجتمع، مع الالتزام بتغيير نمط الحياة في المجتمع إلى نمط صحي.
وتابع أن المختص النفسي يعمل على تسهيل الوصول السريع للرعاية النفسية، وتعليم مهارات التأقلم مع الضغوط الاجتماعية والاضطرابات النفسية وحل المشكلات اليومية، ودعم التوازن العاطفي، وتعليم مهارات الأبوة والأمومة لتحسين العلاقات الأسرية، وتحديد ودعم الأشخاص المعرضين للخطر، عن طريق المسح المجتمعي من خلال المستوصفات والمراكز الصحية، إذ إن الإدارة المركزية في الرعاية الأولية وضعت آلية لتحديدعوامل خطورة الانتحار ومن ثم يتم توجيه المريض وعلاجه حسب عوامل الخطورة، ويتم التشديد على أهمية المسح للمرضى الذين يظهرون بعض الصعوبات الصـحـيـة والـنـفـسـية والاجتماعية.
ومضى المختص النفسي بالقول إن المختصين لهم دور في إقامة الأيام المفتوحة واللقاءات العامة مع الجمهور، والتواصل معهم كذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك لتقليل نسبة الانتحار وكسر الحاجز بين المريض ومقدمي الرعاية.
وعن تحديد دور المختص النفسي المهني، أوضح أنه تشخيص درجة الاكتئاب، وتحديد مدى جدية الانتحار: هل هي مجرد أفكار أم خطط أم محاولات جدية للانتحار تحت التنفيذ؟! هنا إما أن يقوم بالتواصل مع رقم الطوارئ 112 أو إيصاله إلى طوارئ الطب النفسي أو التعامل معه إذا كانت لدى المختص شهادة معتمدة أو خبرة في التعامل مع من يقدم على الانتحار.
أما أفضل الركائز التي تفيد من يفكر في الانتحار، فهي، بحسب د.بسام البطحي، رفع الجانب الإيماني لدى المنتحر، وربطه بأحبابه، وإيجاد المعنى الحقيقي للحياة، والعلاج النفساني غير الدوائي، وكذلك الدوائي في الكثير من الأحيان، إذ إن الكثير من هذه الحالات يمكن تجنبها إذا بدأ المريض العلاج مبكرا.
وختم المختص النفسي حديثه بالإشارة إلى أهمية المسؤولية المجتمعية، حيث مسؤولية الأب والأم في الاقتراب أكثر من الأبناء، والاستماع الجيد لما يعانون منه، ومسؤولية إمام المسجد والمعلم في المدرسة وكذلك المسؤول في العمل، والبحث عن الحلول لتقليل الضغوط النفسية، والاستماع لمعاناة الرعية، وإيجاد سبب يعيش الإنسان من أجله ويستقر معه.
جريمة بحكم القانون
من جانبه، ذهب د.حامد حمود الخالدي، عميد متقاعد، ومدير سابق بالإدارة العامة للأدلة الجنائية إلى أن الانتحار لا يشكل ظاهرة بالمجتمع الكويتي، بل هناك حالات فردية أغلبها من الجنسيات المقيمة بالبلاد، وذلك لا يعني إغفالها أو عدم البحث عن الأسباب للقيام بذلك.
ومضى بالقول إن المشرع الكويتي يعتبر هذا التصرف جريمة، فقانون الجزاء الكويتي نص على أنه يعاقب كل من يحاول الانتحار ومن يساعد شخصا أقدم على الانتحار، وفقا للقانون الجزائي الذي تنص المادة 158 منه على أن «كل من حرض أو ساعد أو اتفق مع شخص على الانتحار، فانتحر، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز 3 آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وعن الدور المطلوب لمواجهة تلك الظاهرة، يرى الخالدي أن على الجهات الحكومية وجمعيات النفع العام القيام بدورها لزيادة الوعي لتوضيح مخاطر الاستخدام السيئ والمنحرف لكل ما ينشر ويبث بمواقع التواصل الاجتماعي. كما أن وزارة الإعلام عليها دورها كبير بهذا الشأن في نشر التوعية عن طريق القنوات الإعلامية لخطورة المخدرات للحد من انتشارها بين أفراد المجتمع، ومراقبة المواقع الإلكترونية التي تنشر وتبث وتحرض على ما يساعد على التحريض على الانتحار. وكذلك الدور الأمني لا يقل أهمية عن الدور الإعلامي، فوزارة الداخلية مسؤولة عن الحد من حالات تعاطي المخدرات والمنشطات العقلية وإغلاق منابع استيرادها وتوزيعها، وعمل البرامج والحلقات التوعوية لبيان خطورتها على أفراد المجتمع وسبل مكافحة تعاطيها وانتشارها بين الشباب.
تراجع دور الأسرة
وعن رؤية علم الاجتماع فإن السبب الرئيسي وراء دوافع البعض لإنهاء حياتهم هو تراجع دور الأسرة التربوي والتوعوي للأبناء.
ولعلم الاجتماع رأي في الظاهرة خصوصا فيما يتعلق بالأطفال، حيث يركز على أهمية عدم الاستخفاف بمشاعرهم وأفكارهم، ففي حين أن مشاكلهم قد تبدو غير مهمة، ولكنها كافية بالنسبة لهم لتبرير الأفكار أو السلوكيات الانتحارية، لذا عليك أن تستمع لهم دون إصدار أحكام، وعدم تجاهل عواطفهم ومشاعرهم ومشاركتهم فيها، وكذلك النظر إلى فكرة الانتحار باعتبارها صرخة لطلب المساعدة، فعندما يحاول الشخص الانتحار، فهذه ليست بالضرورة علامة على رغبته في الموت، بل قد تكون مؤشرا على أنهم يعانون من ألم عاطفي كبير، لكنهم لا يعرفون كيفية التعامل معه، مما يجعل فكرة الانتحار خيارهم الوحيد للهروب من موقف لا يعرفون كيفية التعامل معه، مع ضرورة الاستماع لهم بشكل جيد، وألا نتركهم كثيرا بمفردهم، وتجنب البوح بأسرارهم الخاصة أمام الجميع.
تظل الأسئلة قائمة: هل المتخصصون في كل مجال من هذه المجالات جاهزون بالفعل لتأدية دورهم العملي تجاه هذه الظاهرة في ديرتنا؟ وهل هناك استعداد وجدية من قبل المسؤولين في الحكومة للشد على يد هؤلاء المتخصصين وتوفير الأدوات والوسائل اللازمة لهم للقيام بدورهم؟ هل القضية في بؤرة الاهتمام من الأساس؟ متى نأخذ الخطوات العملية بالفعل؟
نظرة دينية عملية
الداعية محمد البطحي: إنشاء مركز يتلقى مكالمات المقدمين على الانتحار أو من لديهم مشاكل عاطفية
أو ضيق الصدر
أهمية إصدار تشريعات دامغة وتبني الحكومة
لها لإنجاحها وإخضاع الظواهر السلبية
في المجتمع للدراسة والبحث المستفيض
علم النفس.. الدور الحساس
د.بسام البطحي: إستراتيجيات جادة خصوصاً نفسية بزيادة وعي المجتمع بعلامات الخطر عند من هو على شفا الانهيار
المختص النفسي يقوم بتشخيص درجة الاكتئاب وتحدد مدى جدية الانتحار والاتصال بالطوارئ مع رفع الجانب الإيماني وربط المقدم على الانتحار بأحبابه
الحلول برؤية أمنية
د.حامد الخالدي: الانتحار لا يشكل ظاهرة بالمجتمع لكن لا يعني إغفالها وعلى الحكومة وجمعيات النفع العام زيادة الوعي
«الداخلية» مسؤولة عن الحدّ من حالات تعاطي المخدرات والمنشطات العقلية وإغلاق منابع استيرادها وتوزيعها وعمل البرامج والحلقات التوعوية