الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

رحيل النائب المخضرم خلف دميثير بعد مسيرة برلمانية حافلة


سيف الحموري - الكويت - الاثنين 19 ديسمبر 2022 10:46 مساءً - غيب الموت النائب السابق خلف دميثير عن عمر ناهز الـ 76 عاما بعد مسيرة برلمانية حافلة قاربت الـ 40 عاما قضاها تحت قبة قاعة عبدالله السالم حاملا هموم أبناء دائرته ومدافعا عن حقوقهم وشاهدا على حقبات ومفاصل سياسية عديدة.

الراحل كان أحد أكثر أعضاء مجلس الأمة فوزا في دورات انتخابية متعاقبة حيث جعل خلالها خدمة المواطن شعاره وهدفه، فكان في طليعة الأعضاء «الايجابيين» في تصويتهم على القوانين خاصة الشعبية منها، فكان مؤيدا لزيادات وكوادر للمدنيين والعسكريين وزيادة علاوة الأولاد وإسقاط فواتير الكهرباء وإعادة تكاليف البنية التحتية وإسقاط فوائد المتقاعدين.

كما كان، رحمه الله، من أوائل الأصوات التي طرحت مسألة إسقاط القروض عن المواطنين والتي قوبلت برفض حكومي فكان أن اقترح دفع 10 آلاف دينار منحة لكل رب أسرة كبديل لإسقاط القروض لتجعل هذه المواقف وغيرها من دميثير رقما صعبا في الحياة البرلمانية الكويتية.

عميد البرلمانيين

لقب «عميد البرلمانيين» كان الأحب إلى قلبه علي الرغم من انه ليس لقبا رسميا وإنما تعارف عليه النواب والناخبون باعتبار انه أقدم النواب داخل البرلمان معتبرا أن اللقب لا يمثل اكثر من كونه ذكرى تاريخية حيث يرتبط لقب العميد بأقدم الموجودين في مجال من المجالات.

من مواليد 1946، وحاز على عضوية مجلس الأمة من عام 1981 حتى عام 2016 بالإضافة الى عضوية المجلس الوطني عام 90 ومجلس محافظة العاصمة عام 89 والرئاسة الفخرية لجمعية الصم والبكم.

اللجنة المالية

من أبرز اللجان التي رأس عضويتها في مجلس الأمة كانت رئاسة لجنة الشؤون المالية والاقتصادية وفي ذلك يقول ان حرصه على عضوية اللجنة المالية أتى من منطلق امتلاكه خبرات كبيرة بعمل اللجنة وخاصة انه كان عضوا فيها منذ دخوله البرلمان في عام 1981 وانه لا يريد مزاحمة المختصين من اعضاء اللجان الأخرى والأكثر استعدادا للتعامل مع القضايا المطروحة من واقع تخصصاتهم.

أولوياته البرلمانية

أبرز أولوياته في البرلمان كانت بدل الإيجار وزيادة القرض الإسكاني التعاوني بين السلطتين، تحقيق خطة التنمية، تعاون الوزراء مع النواب في رفع مستوى معيشة المواطن، عدم التخوين، الصحة، القوانين الشعبية بتطوير الخدمات، الحوار الهادئ البناء، النقد الإيجابي، الاستقرار السياسي.

التعاون بين السلطتين

لم يؤمن يوما بالتأزيم، بل حبذ دائما التعاون والانسجام بين السلطتين لتكون الثمرة مصلحة المواطنين لدرجة ان حاول بعض المراقبين استخدام تعبير «الطريقة الدميثيرية» في اشارة الى بعض زملائه بالمجلس وفي فترات سابقة ممن حاولوا ان ينتهجوا اسلوبه في العمل السياسي الا أن التجربة والمواقف أكدت ان دميثير كان متفردا في حضوره واسلوبه.

اقترابه من الخط الحكومي لم ينكره فكان يراه افضل من التكتلات، حيث لم يكن مستعدا ليكون جسرا يعبر على ظهره اصحاب التوجهات لذلك بقي طوال مسيرته مرتاحا لاستقلاليته في العمل البرلماني مفضلا ان يكون تكتله الوحيد هو خدمة المواطن ووضع بسمة على شفاه البسطاء بجهوده الفردية.

كان شديد الثقة بالنفس لم يهتز لأقاويل او اشاعات ولم يحب فلاشات الكاميرات والإعلان المبالغ فيه عن انجازاته مهما كبر حجمها، كإنشاء مسجد وترميم مدرسة او تمرير قانون او مواجهة الفساد الإداري او صغر شأنها كإنهاء المعاملات ورد المظالم.

انصرف خلف دميثير الى العمل الخدمي لتحقيق مصالح الناس دون بهرجة زائفة، فاستحق ان يكون الأول في معظم الدورات الانتخابية التي خاضها وكان يرجع نجاحه الكبير الى ان المواطنين ملوا الصراخ والسباب والتنابز بالألقاب الجوفاء، ويريدون من يرفع الظلم عنهم ويحقق مصالحهم.

الأطياف السياسية

بقلب مفتوح للجميع كانت خيمته في الصليبخات ملتقى لكل الاطياف السياسية من ليبراليين وإسلاميين ووزراء ومعارضة، فكان من عشاق العمل الجماعي وإن اختلفت التوجهات والمشارب الفكرية والسياسية لذلك حرص دائما على جمعهم صفا واحدا.

كان يحدوه الأمل دائما في عودة الزمن الجميل وتراث الآباء والاجداد، حيث لا ضغائن، ولا احقاد، ولا مظالم، ولا فساد اداريا، ولا تشنج انما حب يرفرف على الجميع، وراهن دميثير على الشباب ليكونوا مفتاح الأمل وانطلاقة المستقبل.

أمانة العمل

أكد، رحمه الله، خلال مسيرته أن أمانة العمل النيابي جعلته يقف مؤيدا لاستجوابات بعض الوزراء ومعارضا لبعضها الآخر، مشيرا في أحد لقاءاته الصحافية الى انه كان يقف بقوة الى جانب حقوق النواب، لكنه يرفض الاستجوابات التي تنطلق من منطلقات شخصية، ووصف بعض المجالس بأنها كانت مجالس التيارات المتصارعة، موضحا ان التيارات المتصارعة حاولت ترهيب المستقلين ـ وهو منهم ـ وترغيبهم بالوقوف معهم، والسيطرة عليهم بإقحامهم في موضوعات معينة، لكن المستقلين رفضوا مثل هذا التوجه، مشيرا الى ان غياب التعاون بين السلطتين كان له تأثيره على كل الاجواء النيابية، مشيرا الى ان العمل بجد واخلاص وحده كان كفيلا بحل مشكلة التوظيف، بالاضافة لوجود العديد من الحلول من بينها تطبيق سياسة الاحلال والتوظيف في القطاع الخاص، مع دفع الرواتب، مع تأكيده على أهمية ان تكون مخرجات التعليم متوافقة مع سوق العمل.

ودعا، رحمه الله، عدة مرات لتشكيل فريق عمل لاعادة تنظيم هيكلة الوزارات للقضاء على المركزية والروتين، خاصة ان معاملات المواطنين تتعطل، وبسبب التضخم الاداري والفساد الوظيفي يتكبد المواطنون عناء شديدا في مراجعات بعضها الذي يمكن ان يتم الكترونيا.

الشأن الخارجي

ومن الشأن الداخلي الى الشأن الخارجي، حيث ابدى عدة مرات تقديره الكبير لسياسة الكويت الخارجية التي اكسبت الكويت مكانة واحتراما في صفوف العالم اجمع، كما كانت له آراؤه في العمل الشعبي والخيري الكويتي الذي تجلى في عظمته حتى اصبح مرادفا لكل ما هو جميل من خصال وسمات الشعب الكويتي المفعم بالخير للانسانية كلها، مثنيا على الكويت البلد الصغيرالذي يكاد يكون الوحيد في العالم الذي يستوعب الجميع باختلاف الاجناس والخصائص والسمات، يتعايشون فيها مع سكان البلاد الاصليين بالمودة والرحمة، وانهم ايضا رغم كل ذلك لم يستطيعوا التأثير في هوية الشعب وخصائصه، لأنها خصائص وهوية اصيلة وليست مكتسبة، لكنها ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ.

كان خلف دميثير، رحمه الله، حريصا على الحفاظ على تراث الكويت واستلهام العبر للشباب في مسيرة الاجداد، وكان يدعو دائما لاستذكار قصص البطولة والشجاعة الممتدة من عصر مبارك الكبير حتى ايامنا، وخلال هذه العصور شبت الكويت من شعب يعيش على الحافة بحثا عن الرزق اليومي في البحر الى شعب مكافح يبحث عن مكنونات ارضه وخيراتها ثم يستخرجها ليغير وجه حياته ويعيد بناء الوطن على أسس سليمة قوامها الحرية والديموقراطية والشورى والعمل الجاد الدؤوب من اجل تحقيق مستوى المعيشة الأفضل، واستطاعت الحكومات المتعاقبة على البلاد ان تؤمن هذا المستوى المعيشي الافضل على الدوام كجائزة لشعبنا عن أيام شظف العيش والكد والتعب اليومي بحثا عما يجود به البحر من خير ورزق، واستطاعت الكويت ان تستثمر في مسيرتها نحو البناء والاستقلال والحرية بخطوات واثقة، نشرت فيها مظلة خيرها لتشمل شعوبا بحاجة الى مساعدة والى دعم مستمر، واصبح عطاء الكويت الخيري في هذا المجال علامة بارزة في تاريخها حتى انه اصبح لصيقا باسمها في المحافل الدولية.

الملف الاقتصادي

اهتم، رحمه الله، بالملف الاقتصادي، واعتبر ان معالجة الوضع الاقتصادي للبلاد يجب دائما ان يكون الاولوية «رقم واحد» على اجندة مجلس الامة «لسبب بسيط» ان اصلاح الاقتصاد يعني اصلاح كل شيء، مشددا في لقاءات سابقة على ان المعالجات الاقتصادية هي التي تقوي اركان الدولة، وانه لا يمكن ان ننعزل عن العالم، معتبرا ان معالجة الوضع الاقتصادي وتنمية هذا القطاع لا تكونان من خلال التأزيم السياسي المستمر، بل من خلال اقرار التشريعات التي تصب في هذا الاتجاه وافساح المجال للسلطتين للتفاهم على بعض الاولويات التي تكون مدرجة على جدول الاعمال وتعنى بانتعاش الاقتصاد.

ذكريات برلمانية

وعن ذكرياته البرلمانية، قال دميثير في لقاء له مع تلفزيون «المجلس» عام 2016: في اول دخول لي للمجلس في عام 1981، كانت الرئاسة بين احمد السعدون ومحمد يوسف العدساني الذي فاز بالرئاسة، وقد قمت بالتصويت لأحمد السعدون في دورتي 81 و85، وبعد ذلك كان صوتي للمرحوم جاسم الخرافي في جميع الدورات التي ترشح فيها لرئاسة المجلس.

ووصف دميثير رؤساء مجلس الأمة المتعاقبين منذ الثمانينيات من القرن الماضي بأنهم كانوا رجال دولة ولا خلاف عليهم.

وتابع أن المرحوم جاسم الخرافي مثل نموذجا فريدا لرئاسة مجلس الأمة في الوطنية والاخلاص وحب الكويت والقيادة السياسية، علاوة على انه رجل حل ازمات في أحلك فترات الكويت، كما كان مقربا من جميع أعضاء البرلمان على اختلاف توجهاتهم السياسية.

وعن تقصير بعض الوزراء في اداء عملهم، قال انه امر وارد ويحتاج الى معالجة بالحكمة من خلال التدرج في استخدام الادوات الدستورية، مشيرا الى انه طوال حياته البرلمانية الطويلة لم يشارك مؤيدا لطرح الثقة الا بوزيرين، وان غالبية الاستجوابات التي كانت تقدم في المجالس السابقة في معظمها تهدف الى تحقيق مصالح شخصية وحزبية وان مجلس 2016 اتسمت مساءلاته برقي الطرح والبعد عن العدائية والالفاظ الجارحة، معتبرا ان عدم انتماء غالبية النواب لأي تيار سياسي يساعدهم على النظر بعقلانية في الاستجوابات المقدمة بخلاف الحاصل في السابق، حيث يتجمع نواب التكتلات والاحزاب على وزير بعينه يتم تجهيز كتاب طرح الثقة فيه حتى قبل سماع ردوده على محاور الاستجواب.

العمل السياسي

عام 2016، افتتح مقره الانتخابي، ملقيا كلمة عفوية للناخبين لخصت رؤيته في العمل السياسي والشعبي والوحدة الوطنية والأمن والأمان والارهاب، قائلا في تلك الكلمة البارزة: 36 عاما وأنتم تكرمونني دائما مع الناس في هذا المجال. هذا، وإنه لشرف لي الاستمرار بهذا المجال وأن اتعامل بالمصداقية والثقة مع من يمنحوني الثقة، ولو لم يجد ابناء الدائرة المصداقية الدائمة لما جئتم لي عدة مرات لتمثيلكم.

وأشار الى أن شعاره لحملته الانتخابية «الأمان فوق كل اعتبار» فنحن لا نريد دخول الفتنة وتضييع البلد، والآن أهل الكويت ينامون وبيوتهم مفتوحة بفضل نعمة الأمن والأمان، ولذلك يجب علينا التأكيد على وحدتنا الوطنية، وأن نكون شعبا واحدا متآزرا لتعزيز الأمن، مشيرا الى ما حصل في مسجد الإمام الصادق وأنه عمل ارهابي في بيت الله، ومن قام بذلك مجرم لا يخاف الله، وقد زادنا ذلك ترابطا ووحدة من خلال وقوفنا بوجه التفجير الآثم.

النائب الناجح

عن مواصفات النائب الناجح، قال في احد اللقاءات انه يجب ان يبتعد بالدرجة الاولى عن مصالحه الشخصية، ويجب ان يتجرد من هذا المقصد، فكل شخص يحب مصالحه الشخصية، ولكن ليس على حساب الوطن، ويجب ان يكون النائب صادقا مع نفسه في تعاملاته داخل المجلس وخارجه، ومن الاهمية بمكان احترام آراء الآخرين حتى ولو اختلفت تلك الآراء، فهذا مقصد مهم لتحقيق الديموقراطية.

اما عن محافظة عضو مجلس الامة على موقعه في خدمة الشعب لسنوات طويلة، فكان يرى أن الأمر يتطلب جهدا وتضحية ومصداقية في التعامل مع الناس باعتبارها المبادئ الأساسية لتقبل الناخب تمثيل النائب له لعقود من الزمن، مشيرا إلى أن ذلك كان نهجه طوال سنوات وجوده داخل مجلس الأمة ممثلا للشعب، وانه لم يسع خلال تلك الفترة الطويلة لمجاملة أحد على حساب مصلحة البلاد، معتبرا أن علاقته بالحكومة كانت واضحة للجميع منذ عام 1981، ولم تتغير باتخاذ الحكومة مواقف مضادة له مرورا بكل تلك السنوات.

البدون

بشعار «الرحمة فوق العدل» وبضمير المدافع عن الحق دعا مرات عديدة الى إنصاف «البدون» معتبرا ان فيهم من يستحق ان يكون مواطنا صالحا قياسا لخدماتهم في الدفاع عن الديرة وترجم رأيه عمليا بتقديم قائمة تضم اكثر من 100 شخص من دائرته طالبا تجنيس المستحقين منها.

ورأى، رحمه الله، أن تباين وجهات النظر داخل المجتمع حول حلول تلك القضية ادى الى تأخر حلها لسنوات طويلة، مشيرا الى ان وجهة نظره الشخصية في تلك القضية تتعلق بتجنيس من تتوافر فيه الشروط التي حددتها الدولة كاشفا عن مساع ناجحة له خلال سنوات وجوده في البرلمان بتجنيس عدد من المستحقين.

Advertisements
Advertisements