- سيف الحموري - الكويت - الخميس 24 فبراير 2022 09:22 مساءً - استهدافي للغزاة في منطقة المطلاع بالقصف باستخدام طائرة سكاي هوك ضربة مشهود لها
- صدرت لنا الأوامر بالتعامل مع العدو ونفذنا طلعات جوية مؤثرة ضده واستنفرنا طوال يوم الغزو
- كثير من الطيارين الكويتيين تعاملوا مع العدو بقوة وشجاعة و«كل طيارينا كانوا أبطالاً»
- غادرنا الكويت يوم الجمعة 3 أغسطس 1990 بطائراتنا إلى قاعدة عسكرية في الظهران السعودية
أسامة أبوالسعود
بين فرحة النصر ومرارة الغزو، هناك ذكريات لا تنسى ومواقف لا يمكن ان تسقطها الذاكرة وخاصة لمن شارك مدافعا عن وطنه ورأى بعينه كم الدمار والخراب الذي خلّفه العدوان واستبسل في الدفاع عن وطنه حتى التحرير بفضل الله.
في هذا اللقاء يستعرض مساعد آمر القوة الجوية سابقا اللواء الركن متقاعد عبدالله البطي تلك المواقف البطولية للقوات الجوية الكويتية وكيف تعاملت مع العدوان الغادر منذ اللحظات الأولى وحتى تحرير الكويت وعودتها سالمة إلى قيادتها وشعبها الأبي.
وكشف اللواء البطي انه قصف رتلا عسكريا عراقيا بقنابل عنقودية في المطلاع يوم الغزو 2 أغسطس بطائرة سكاي هوك وأصابه إصابات قوية وهي ضربة مشهود لها في الطيران الكويتي.
وأكد ان قاعدة أحمد الجابر آخر قاعدة سقطت يوم الغزو كاشفا ان الطيارين الكويتيين كانوا يقلعون بطائراتهم من شارع داخل القاعدة بعد استهداف المدرج الرئيسي من قوات الاحتلال.
وأوضح ان الطيارين الكويتيين غادروا الكويت يوم الجمعة 3 أغسطس بطائراتهم إلى قاعدة عسكرية في منطقة الظهران السعودية.
وأشاد اللواء البطي بقوة وحماسة وبطولة الطيارين الكويتيين في ذلك اليوم، مضيفا: «كثير من الطيارين الكويتيين تعاملوا مع العدو مثل الطيار أحمد الخميس ومحمد الزواوي وماجد الأحمد - رحمهما الله وعدنان عبدالرسول.. فإخواني الطيارون كلهم أبطال».
وأكد انه قد صدرت لنا الأوامر بالتعامل مع العدو العراقي و«ظللنا طوال يوم 2 أغسطس في حالة الاستنفار ونفذنا طلعات جوية مؤثرة ضد العدو العراقي» وثمن اللواء البطي موقف المملكة معنا هو موقف «عائلة» وموقف أخو مع أخو، وليس موقف دولة مع دولة، وأنا رأيت ذلك كله والكلمات لا تفي المملكة قيادة وحكومة وشعبا حقها.
وأوضح انهم جلسوا في قاعدة خميس مشيط إلى شهر أكتوبر «وبعدها عدنا الى الظهران مرة أخرى.. وبدأنا نتدرب على الهجوم الجوي الذي سننفذه في حال بدأت المعركة الجوية».
وأشار إلى ان 36 طائرة كويتية منها 20 سكاي هوك و16 ميراج شاركت في حرب التحرير وكنا في طليعة قوات التحرير. وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
نتحدث بداية عن مشاركتكم كأحد ضباط الطيران الكويتي في حرب تحرير الكويت، وقبلها تعاملتم مع العدوان الغاشم، نود تسليط الضوء على تلك المشاركة وكيف كانت تلك الأيام كما عايشتموها داخل الجيش الكويتي وسلاح الطيران تحديدا؟
٭ طبعا أنا خرجت من بيتي يوم 2/8/1990 الساعة 6.30 فجرا ووصلت إلى قاعدة أحمد الجابر الجوية، وكنت ملازم أول في السرب التاسع، ومنذ خروجي من بيتي في الرميثية مرورا بالدائري السادس الى طريق كبد، ووصولي إلى القاعدة لم أشاهد أي جندي عراقي او أي مشاهد للاحتلال.
ووصلت إلى القاعدة في تمام الساعة 7.30 صباحا، وتفاجأت بأن الطيران الكويتي يغير طريقة هبوطه على المدرج، ومع وصولي شاهدت غارة عراقية على القاعدة.
فالاحتلال العراقي بدأ بمناوشات في منتصف ليل 2 أغسطس، وبدأت قاعدة أحمد الجابر الجوية في التعامل ضد الطيران العراقي واستهداف مقاتلاته بطائرات الميراج ومع بزوغ الفجر بدأت طائرات سكاي هوك في التعامل لأنها لا تعمل ليلا.
ومنذ دخلت القاعدة بدأت في تبديل ملابسي وارتداء سترة الطيران في داخل السرب، ووجدت العديد من الطيارين الكويتيين يتعاملون مع العدو مثل الطيار ماجد الأحمد وعدنان عبدالرسول، وأنا كنت في هذا الوقت صغيرا في السن 24 سنة، ورتبتي العسكرية ملازم أول ولم أكن أتوقع في يوم من الأيام ان تكون هناك حرب بهذا الحجم.
فسبحان الله رأيت تلك المشاهد التي زادتني حماسة وإصرارا على الدفاع عن بلدي ووطني، وبدأت أتلقى الأوامر بالذهاب الى دوشمة 15، وأجلس حتى نعطيك الأمر، وذهبت إلى الدوشمة وشيكت على الطائرة وانتظرت التعليمات، وبقيت في الدوشمة من الساعة 8 إلى الساعة 11 صباحا.
وبعدها أخذت سيارتي وذهبت للسرب وقلت لهم «أنا هنا من 8 صباحا وأبي أطير، وأعطوني طيارة أبي أطير»، فردوا علي «اذهب إلى دوشمة 2» وبالفعل ذهبت إلى دوشمة 2 وأخذت طيارة سكاي هوك بها 4 قنابل عنقودية.
ووجهتني القيادة بالذهاب باتجاه فيلكا، فذهبت الى هناك للتعامل مع هدف عراقي بحري، ومع الأسف وصل الهدف إلى نادي رأس الأرض وقلت للقيادة أريد أن أرمي.
فرد علي في ذلك الوقت القائد وقال: تشوف البالون (الرادار)، قلت نعم أشوفه، قال: اطلع للبالون عند المطلاع.
وبالفعل ذهبت للمطلاع ورأيت أرتالا عسكرية عراقية، ولا أرى نهايتها، ربما نهايتها كانت في البصرة.
أرتال عسكرية حتى البصرة
كيف تعاملت مع هذه الأرتال العسكرية الضخمة، وهل حققت خسائر في العدو العراقي؟
٭ تعاملت معها وضربتها بالصواريخ وأصبتها بقوة والحمد لله، فهذه الضربة مشهود لها في القوة الجوية الكويتية، وأتذكر انه كانت معي طائرة حماية بقيادة الطيار ملحان العجمي، الله يوفقه هو الآن طيار بالخطوط الجوية الكويتية.
كيف كان هذا المشهد؟
٭ هذه القنابل ندرس عليها في القوات الجوية، ولا نستخدمها في الكويت لحجم الدمار الهائل الذي تحدثه، فهي تعمل تدميرا كبيرا وهي ممنوعة دوليا حاليا.
وفي ذلك الوقت ضربت الصواريخ ولها حالتان من الاستهداف، اما توقتها بالانفجار خلال ثانية ونصف او 4 ثوان، فإذا 4 ثوان تستهدف مساحة أوسع وأكبر من الأهداف العسكرية، أما ثانية ونصف فيكون الهدف أقل.
ولذلك قذفتها ووقت بالتفجير خلال 4 ثوان، ولهذا كانت مساحة التفجير أكبر، ولذلك قذفت صاروخين وأخذت استدارة وعدت واستهدف الرتل مرة أخرى بقاذفتين أخريين، حيث كانت الطائرة تحمل 4 صواريخ.
والحمد لله أن وفقني، ولا أقول انني بطل، فأنا تدربت والدولة دفعت مبالغ لكي أصل إلى هذا المستوى.
وكل طيار كويتي بطل بفضل الله وبفضل التدريب الكويتي المتميز.
الطيارون الكويتيون أبطال
كم طيار كويتي تعامل مع العدو في هذا اليوم؟
٭ كثير من الطيارين الكويتيين تعاملوا مع العدو مثل الطيار أحمد الخميس، ومحمد الزواوي - الله يرحمه - وماجد الأحمد - الله يرحمه - وعدنان عبدالرسول، فإخواني الطيارين كلهم أبطال، فمن استطاع المشاركة أقلع بطائرته وتعامل مع الأهداف فورا.
هل كانت الأوامر في هذا اليوم بالتعامل مع العدو واستهدافه؟
٭ نعم، صدرت لنا الأوامر بالتعامل مع العدو العراقي، وظللنا طوال يوم 2 أغسطس في حالة من الاستنفار والطلعات الجوية المؤثرة للعدو العراقي.
مغادرة الكويت
ومتى غادرتم الكويت، وكيف كان ذلك؟
٭ طلعنا ثاني يوم، يوم الجمعة 3 أغسطس، غادرنا بالطائرات، فقاعدة أحمد الجابر لم تسقط، وظلت آخر قاعدة سقطت في يد العدوان الغادر الذي ظل يستهدفها حتى المغرب يوم 2 أغسطس.
وفي هذا اليوم كنا نطير بطائراتنا على شارع في جانب القاعدة وليس على المدرج الرئيسي للطيران، فكان العراقيون يستهدفون المدرج.
فكلما أقلعت طائرة من مطار أحمد الجابر كان العراقيون يستهدفون المدرج، ونحن نطير من الشارع داخل القاعدة.
ولذلك أكرر ان ربعنا الكويتيين كلهم أبطال، وقاموا بالمهمة على خير وجه.
كم طلعة جوية تقريبا تم تنفيذها في هذا اليوم؟
٭ لا أستطيع أن أحدد رقما، ولكن كل من استطاع الطيران في ذلك الوقت لبس سترته وطار بطائرته فورا، ولذلك أشدد كثيرا على أن جميع من حضر في هذا اليوم أبطال، ومن لم يحضر نلتمس له العذر.
فالجميع أبطال، وليس فقط عبدالله البطي، فأنا عود من «حزمة» وهؤلاء هم إخواني، والطيارون جميعا أكن لهم كل التقدير لأنني عايشت تلك الظروف وغيرها ورأيت ذلك كله بعيني.
ننتقل إلى السؤال عن مغادرة القاعدة بالطائرات إلى المملكة العربية السعودية، كيف تم ذلك؟
٭ في يوم 3 أغسطس جاءت الأوامر بالإقلاع إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتحديدا الى مطار الظهران السعودي، ومكثنا هناك 4 أيام، وفي اليوم الخامس انتقلنا الى خميس مشيط.
وهنا لابد من توجيه الشكر الجزيل الى الإخوة في المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا، فهي بلدنا الثاني ونحن «عينين» في رأس، فالمملكة موقف وقيادة وشعبا لا يمكن ان تصفها الكلمات مهما قيلت.
فبغض النظر عن أي شيء موقف المملكة هو موقف «عائلة» وموقف أخو مع أخو، وليس موقف دولة مع دولة، وأنا رأيت ذلك كله وأستطيع أن أصفه كاملا.
فنحن عشنا في المملكة طوال فترة الغزو وسط أهلنا وهو موقف مقدّر ويثمنه كل كويتي بفضل الله.
وجلسنا في خميس مشيط إلى شهر أكتوبر، وبعدها عدنا إلى الظهران مرة أخرى، وبدأنا نتدرب على الهجوم الجوي الذي سننفذه في حال بدأت المعركة الجوية.
نداء واحد
كيف كان التدريب الكويتي آنذاك؟ وهل كنتم مع القوات العربية بقيادة المملكة العربية السعودية أم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية؟
٭ القوات العربية كانت قوات أرضية «برية» فقط، أما القوات الجوية فكانت قوات سعودية وقوات كويتية وقطرية وكنا نعمل بروح وفريق واحد ونداء واحد وخطة واحدة.
مقدمة القوات
قمت بإجراء لقاء مع الفريق علي المؤمن وأكد لي انه كان هناك إصرار كويتي على ان تكون مقدمة قوات التحرير هي قوات جوية كويتية وفي مقدمة قوات التحالف، كيف كان ذلك؟
٭ نعم، بالفعل كان هذا إصرارا من القيادة الكويتية وإصرارنا كطيارين، ولكن كنا نعلم ان الطائرات التي نطير بها وهي طائرات سكاي هوك الأميركية لا تطير ليلا، وبداية الحرب الجوية «المباغتة» كانت من قوات التحالف لضرب القيادة والسيطرة العراقية، والقوة الضاربة للعراق، وفي الضربة الثانية كنا نحن في أول موجة تضرب الأهداف المرسومة بعد الضربة الأولى للقيادة والسيطرة العراقية.
الطائرات الكويتية
كم عدد الطائرات الكويتية المشاركة في تلك الضربة؟
٭ كنا 20 طائرة سكاي هوك كويتية وكنا نطلع 8 رحلات ثم 8 رحلات أي 16 رحلة يوميا، هذا بخلاف طائرات الميراج وكان عددها 16 طائرة أي مجموع 36 طائرة كويتية.
فالميراج دخل بعد ذلك لأن القوات العراقية كانت تملك قوات ميراج F1 ولم تشارك أول الحرب ولكن شاركت بعد ذلك.
بداية التحرير
هل علمتم بموعد بدء الضربات الجوية لتحرير الكويت؟
٭ القيادة السياسية طبعا كان لديها العلم بموعد التحرير وبدء الضربات الجوية، وربما القائد العسكري لنا الفريق يوسف الضويان - أطال الله في عمره - كان يعرف وقت الضربة الجوية، ونحن لم نكن نعرف.
وتلقينا الأوامر الساعة 1.30 ليلا، تعالوا، وجئنا على الفور للتخطيط لضرب الأهداف الساعة 8 صباحا.
وهذا لا يعني أننا نبدأ 8 صباحا، ولكن القنبلة تطيح أو تستهدف العدو الساعة 8 صباحا، أي تطير الساعة 6 وتكون في القاعدة قبلها بساعات استعدادا لتنفيذ المهمة.
عودة الكويت سالمة
ما ذكرياتكم في هذا اليوم، وهل كان لديكم أمل في عودة الكويت سالمة إلى قيادتها وشعبها الأبي؟
٭ بالطبع، مبدأ التفاؤل موجود دائما كعسكري وطيار، ولكن في الوقت نفسه هناك خوف ولم يكن الأمر سهلا، وكان هناك تضخيم للقوات العراقية قبل الغزو.
فالجيش العراقي كان يقول انه رابع قوة في العالم وأن لديه قوة نووية، ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة لنا طبعا.
وبالنسبة لذكرياتي يوم التحرير كنت أطير أنا والمرحوم محمد الزواوي - رحمه الله - وعدنان حمادة، وحتى الحين أذكر هذه الرحلة يوم 26 فبراير.
وقالوا لنا لديكم أهداف في شمال الكويت وذهبنا لرمي الأهداف، فبدأنا ووقت الرمي قالوا: لا ترمِ الأهداف.. ارجع «بوك» بالطيران أي انتهت المهمة.. الكويت حرة.
فرحة التحرير
أخيرا متى عدتم إلى الكويت، وكيف عشتم فرحة التحرير؟
٭ في يوم التحرير كان ممنوعا علينا الهبوط في الكويت لمستوى معين ولكن من فرحتنا قمنا بالاستدارة فوق الكويت فرحا بالتحرير، وعدنا الى المملكة مرة أخرى.
وبالنسبة للعودة إلى الكويت 27/7/1992 أي بعد 6 أشهر كاملة من التحرير، تم عمل استقبال خاص من قبل سمو ولي العهد - آنذاك - الشيخ سعد العبدالله، يرحمه الله.
وكان يوما مشهودا ولا أنساه من الفرحة بفضل الله وعودة وطننا الغالي سالما وتحريره من براثن العدوان الغاشم.
ابنتي سارة ولدت في السعودية وقت الغزو
خلال اللقاء، كشف اللواء البطي انه إحدى بناته ولدت على أرض المملكة العربية السعودية، حيث خرجت زوجته وهي حامل يوم 16/9/1990 حينما سمحت القوات العراقية لهم بالخروج.
وتابع قائلا: «قمت باستئجار بيت لأسرتي في منطقة الظهران ووضعت زوجتي بفضل الله ابنتي سارة على أرض المملكة وقت الغزو العراقي الغاشم».