الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

وباء من نوع آخر.. بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم

  • سيف الحموري - الكويت - الأحد 27 مارس 2022 09:24 مساءً - تغيير «الرعاية السكنية» أسماء عدد كبير من الأماكن الكويتية مساس بمسلمات وطنية ولا مبرر له ويثير أبناء الشعب
  • هناك من يريد اللعب بمسميات مواقع بلادنا المعروفة دون سبب إلا أن يكون عدِم الطريق إلى أداء الواجب الذي نشأت مؤسسته من أجله
  • اسم الدانة لا يناسب موقعاً في أي مكان وذلك لارتباطه بأسماء شركات وسيدات منذ أمد طويل.. و«الخيران» معروف ومشهور
  • «البوم» لا يناسب ضاحية شمال غرب الصليبخات.. لأنه لم يكن يصل إلى الأماكن الضحلة التي يتميز بها ساحل الصليبخات
  • «البوادي» لفظ واسع لا ينحصر في محل معين.. و«التحرير» سعدت به الكويت كلها فلا يجوز أن يحصر في بقعة صغيرة
  • «الخزامى» لا ينبت في صحرائنا و«المجد» لا دليل على ضرورة اختياره و«الليوان» جزء صغير من البيت الكويتي
  • «كاظمة» يعرفها كل الكويتيين.. و«السور» لا ينطبق على مكان و«النوير» يصلح لروضة أو مقهى

نعم، إنه وباء، ولكنه لا يصل إلى صحة الأبدان، بل يؤثر على تاريخ الأوطان، فزعت وزارة الصحة في الكويت مشكورة لمكافحة وباء الكورونا. فمن يكافح هذا الوباء الجديد الذي لا علاقة له بمهام وزارة الصحة؟

لم يعد سرا في الكويت كلها أن هيئة الرعاية السكنية (الكويتية) قدمت مقترحا إلى مجلس الوزراء عندنا طالبة الموافقة عليه. وهذا المقترح للأسف الشديد - نال موافقة مجلس الوزراء، وأحيل منه إلى بلدية الكويت للتصرف.

هذا المقترح يتضمن تغيير أسماء عدد كبير من الأماكن الكويتية التي ألفها أبناء البلاد منذ أن نشأت، وليس هناك أي داع لتغييرها، إضافة إلى أن هذا الأمر ليس من اختصاص الهيئة صاحبة الاقتراح بدليل قرار مجلس الوزراء بإحالته إلى بلدية الكويت في الوقت الذي كنا نرجو فيه أن يرفضه نهائيا.

هذه الهيئة لا تعلم أن ما أقدمت عليه إنما هو مساس بمسلمات وطنية، وبخاصة أن بعض الأماكن التي طلبت تغيير أسمائها ذات تاريخ عريق. إضافة إلى ذلك، فإن أسماء المدن والشوارع صارت لها هيئة عالمية دولة الكويت عضو فيها ممثلة بدائرة بلدية الكويت وهي تحضر اجتماعاتها وتلتزم بقراراتها التي كان من أول ما صدر منها هو تثبيت الأسماء.

ثم ما الذي حدث في الكويت مما يستلزم تقديم هذا الاقتراح المخل، وما الداعي إلى إثارة المواطنين عامة بالعبث بأسماء عرفوها منذ عاشوا على هذه الأرض وارتبطت بذكرياتهم وذكريات آبائهم وأجدادهم؟ ولا نجد مبررا واحدا لذلك، ولن يوجد المبرر، لأن المبدأ العام في الدنيا كلها هو الحرص على المسميات وبخاصة مسميات الأماكن.

ونحن إذا نظرنا إلى ما هو جار في خارج الكويت بهذا الشأن، فإننا نرى أن الدول التي صارت فيها ثورات غيرت نظم الحكم فيها لم تقم بتغيير أسماء الأماكن على الرغم من أن هذه الأسماء ترتبط بالحكم السابق على هذه الثورات، ولنا مثل واضح في ثورة سنة 1952م في مصر حين جرى الانقلاب على أسرة محمد علي فإننا لا نزال نرى بعض أسماء الأماكن التي ارتبطت ببعض أفراد هذه الأسرة لا تزال قائمة إلى اليوم على الرغم من مرور عدد من السنين، ويكفي أننا لا نزال نذكر بورسعيد، وبور توفيق، والتوفيقية وغيرها.

ونحن والحمد لله على نعمته في أمان واستقرار ومع ذلك يأتي - على خلاف المتوقع - من يريد أن يلعب بمسميات مواقع بلادنا المعروفة دون سبب إلا أن يكون قد عدم الطريق إلى اداء الواجب الذي نشأت مؤسسته من أجله.

وحتى يتبين مقدار الخطأ في هذا الاقتراح وفي قبوله - إن كان قد قبل - فإننا نذكر هنا الأسماء المقترحة:

طلبت الهيئة المذكورة - دون أن يكون ذلك من اختصاصها - تغيير أسماء عشر مناطق في طول البلاد وعرضها، وقد تكون في سبيلها إلى اقتراحات أخرى في هذا السبيل، وقد يؤدي بها الأمر إلى اقتراح تغيير اسم وطننا برمته ما دامت تحصل على الموافقة بسهولة.

وهذه هي:

1 - مدينة الخيران، وقد طلب الاقتراح تسميتها باسم الدانة، وهو اسم لا داع له؛ لأن الاسم العام للمنطقة يكفي وبخاصة أنها معروفة منذ زمن قديم. ولفظ الدانة على أهمية الدانة لا يناسب موقعا في أي مكان يوجد، وذلك لارتباطه بأسماء شركات وسيدات منذ أمد طويل.

2 - مدينة نواف الأحمد، ومع كامل التقدير لصاحب السمو أمير البلاد فإن استبدال اسمه باسم البوادي لا محل له؛ لأن لفظ البوادي - إن كانوا لا يعلمون - لفظ واسع لا ينحصر في محل معين.

3 - ضاحية خيطان الجنوبي: اقترحت الهيئة إطلاق اسم: التحرير عليها. والتحرير لفظ عام سعدت به الكويت كلها فلا يجوز أن يحصر في بقعة صغيرة كما أرادوا.

4 - ضاحية شمال غرب الصليبخات، أطلقوا عليها اسم: البوم والبوم سفينة نقل بحرية لا تنطبق على المكان؛ لأن البوم الذي كان مستعملا في الماضي لم يكن يصل إلى الأماكن الضحلة التي يتميز بها ساحل الصليبخات.

5 - ضاحية شرق صباح الأحمد، أرادوا أن يطلق عليها اسم الخزامى، والخزامى نبت بري لا ينبت في صحرائنا أصلا.

6 - ضاحية غرب عبدالله المبارك، اقترحوا لها اسما هو: المجد ولم نسمع في الدنيا كلها اسم مكان له مثل هذا المعنى، ولا دليل على ضرورة اختياره.

7 - ضاحية المساكن الميسرة، سمّوها الليوان، والليوان جزء من البيت الكويتي القديم، فكيف يصبح بأمرهم اسم منطقة سكنية؟

8 - ضاحية شرق تيماء أرادوا أن يطلقوا عليها اسم كاظمة، وكأنهم ليسوا من أهل الكويت، فإن حقيقة أهل الكويت يعرفون كاظمة ويدركون تاريخها القديم وموقعها المعروف الذي ذكر في شعر شعراء العرب الأوائل ويكفي أنها كانت البوابة التي خرج منها جند الإسلام في أول الفتوحات التي انتشر بسببها هذا الدين القويم.

9 - ضاحية جنوب عبدالله المبارك أرادوا أن تسمى السور، وهذا لفظ لا ينطبق على مكان، ولكنه سياج معروف يبنى لأغراض الحماية، وتسمى به أيضا حيطان المزارع وما شابهها من أماكن تحتاج إلى الحفظ.

10 - ضاحية جنوب القيروان أرادوا تسميتها: النوير، والنوير نبات ربيعي معروف، ولكنه قد يصلح اسما لروضة أطفال أو لمقهى يرتاده الناس، أما أن يكون اسما لمكان يعيشون فيه، فهذا أمر لا يعقل، علما بأن عمر هذا النبات قصير سرعان ما يذبل، فهو لذلك لا يصلح أن يطلق على مكان نأمل له الدوام.

٭٭٭

فيا من طلبتم وضع هذه الأسماء؛ ألم تنظروا إلى خريطة الكويت وتعرفوا أن كل شبر من أرض بلادنا له اسم قديم ثابت؟ ويكفي أن أول خريطة علمية صنعت للكويت قد صدرت في سنة 1958م بمبادرة من دائرة معارف الكويت، وفي هذه الخريطة مسميات البلاد كلها حتى غير المسكون منها، ألا يكفي ذلك؟ ثم هل بحثتم الأمر مع الجهة المختصة بالتسميات وهي بلدية الكويت قبل أن تسعوا إلى مجلس الوزراء الموقر؟

وبعد، فأنا فيما كتبته هنا لا أعبر عن نفسي فقط، بل أعبر عنها وعن جميع الذين علمت منهم انزعاجهم بسبب هذا التوجه الذي إذا تفاقم صار وباء يشبه الكورونا من حيث أذاه وشموله، ومن حيث انه يقضي على تاريخنا الذي نعتز به.

وأخيرا؛ فإنني أود أن أضيف إلى ما تقدم كلمة لابد من إضافتها، وهي أنني ما كنت أتمنى أن يأتي اليوم الذي أكتب فيه مثل ما كتبت هنا، ولكن الوطن يحتاج منا المحافظة عليه وجودا وحدودا، ويحتاج أيضا أن نهتم بكل ما يتصل به منا حفظ لتاريخه كله بما في ذلك المسميات التي أطلقت قديما على كافة بقاعه. وهذا هو ما دفعني إلى تقديم ما جاء من تعليقات كتبتها وأنا في غاية الضيق، ولكن الوطن أهم من كل شيء.

Advertisements
Advertisements