سيف الحموري - الكويت - السبت 29 يوليو 2023 08:58 مساءً - تحتفل المملكة المغربية اليوم الأحد 30 يوليو 2023 بالذكرى الرابعة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة سنوية غالية لتجديد روابط البيعة والتلاحم الوثيق بين الشعب المغربي وقائده المفدى، سليل الدوحة العلوية الشريفة.
ويشكل الاحتفال بهذه الذكرى مناسبة سنوية متجددة للوقوف على الإنجازات التي تم تحقيقها في مختلف المجالات، والتي تترجم الرؤية الحكيمة والمتنورة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي لا يألو جهدا في سبيل تعزيز المكتسبات المحققة بالمزيد من الإصلاحات والأوراش التنموية الكبرى في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، تستجيب لتطلعاته السامية ولانتظارات الشعب المغربي بإرساء ركائز قوية لتنمية شاملة تعود بالخير والنفع العميم على جميع أبناء الوطن.
وتتويجا لسلسلة من الأوراش السوسيو-اقتصادية، قام المغرب بإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي يعتبر صندوقا سياديا مرجعيا، في إطار الإصلاحات الرامية إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي، ويطمح الصندوق وهو الورش الذي تمت بلورته وفق معطيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، والذي يتكامل مع ميثاق الاستثمار الجديد، إلى أن يكون رافعة مهمة للدينامية الاقتصادية من خلال مساهمته في خلق الثروة وفرص الشغل.
ويروم الصندوق السيادي المبتكر تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية وتعزيز عمل القطاع الخاص والمساهمة في النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل وتسهيل التحول الرقمي والبيئي وتعظيم الأثر الإيجابي للاستثمار على مستويات الاقتصاد والمجال الاجتماعي والبيئية وتحقيقا لهذه الغاية، سيوفر الصندوق للفاعلين الاقتصاديين آليات تمويل متنوعة تتناسب مع احتياجاتهم وأهداف نموهم، ورفع قدرتهم التنافسية، وتحقيق التنمية المستدامة، إلى جانب التكيف مع المعايير والأنظمة الدولية في هذا المجال.
وإدراكا منه لحجم التحديات الاستراتيجية وتلك المتعلقة بالطاقة والمناخ، أقدم المغرب على تسريع وتيرة الانتقال الطاقي الذي يستند إلى الطاقات المتجددة من أجل تحقيق مستقبل شامل ومستدام وقادر على التكيف والصمود، وقد حقق إنتاج الطاقة الخضراء نقلة نوعية وكمية غير مسبوقة في المنطقة، حيث تستخرج أكثر من 45% من الطاقة الكهربائية من الطاقة المتجددة.
وتبنى المغرب هدفا أسمى يتمثل في رفع حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء لتصل إلى نسبة 52% في أفق سنة 2030، مما سيمكن المغرب من تأكيد ريادته الإقليمية والعالمية في هذا القطاع المهم للانتقال الطاقي، وتعزيز سيادته الطاقية وتقليص كلفة الطاقة والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود القادمة، من خلال تسريع وتيرة إنجاز المشاريع التي توجد قيد التطوير، وكذا استقطاب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا القطاع، لاسيما في مجالات تحلية مياه البحر والقطاع الواعد للهيدروجين الأخضر.
واكتسب المغرب سمعة عالمية كشريك موثوق به على الساحة الدولية، وتحول إلى منصة وسوق جاذب للاستثمارات الأجنبية في القطاع الصناعي، وحقق مراتب متقدمة في مؤشر التصنيع على مستوى القارة الأفريقية، حيث احتل المرتبة الثانية على صعيد القارة.
وشكل موقع المغرب الاستراتيجي والاستثمار الكبير في قطاعي النقل والخدمات اللوجستيكية وتوفر المملكة المغربية على العديد من الموانئ والمجمعات الصناعية الواسعة في طنجة المتوسط في الشمال إلى جانب إطلاق مشروع لإنجاز ميناء الداخلة الأطلسي جنوب المغرب، نقطة جذب للاستثمار في القطاع الصناعي.
وتحققت الطفرة الصناعية بفضل الاستقرار السياسي واستمرارية تنفيذ السياسات الاقتصادية واعتماد استراتيجيات صناعية متتالية ومترابطة، وقيامه بمراجعة تشريعية شاملة للمنظومة القانونية المؤطرة للتجارة والمال والأعمال، بغية تعزيز الأمن القانوني والاقتصادي والحكامة والشفافية في التدبير الاقتصادي والمالي.
وبالموازاة مع هذه الأوراش الكبرى، جعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس من الولوج العادل للخدمات الطبية والاجتماعية للمواطنين، وفق تصور يشرك جميع المتدخلين، أحد الأولويات الكبرى لبناء نموذج الدولة الاجتماعية، ويروم هذا الورش إرساء منظومة تضامنية إجبارية تحقق الحماية للجميع وتيسر ولوجهم إلى الخدمات الاجتماعية والصحية على نحو متكافئ، وتضمن رعاية صحية مستدامة للجميع ضد الأمراض والمخاطر الصحية بمختلف أنواعها، كما يروم استدراك التأخر الهيكلي في هذا المجال، لاسيما ما يتعلق بالبنيات الاستشفائية والأطر الصحية وتطوير قدرات إنتاج الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية الأساسية.
ويشكل الشأن الرياضي محورا أساسيا في اختيارات المملكة المغربية وبرامجها ومخططاتها، وهو ما يعكس بجلاء الإيمان الراسخ لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بأهمية الرياضة ودورها الفعال في خدمة الوطن والتعريف به في مختلف المحافل الدولية، فقد كانت جائزة التميز لسنة 2022، التي منحت لجلالته من قبل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بكيغالي تتويجا للإنجازات الرياضية المتميزة، التي تحققت على مدار سنة كاملة وفي جل الأصناف الرياضية، وعقب هذا التميز إعلان جلالة الملك، في رسالته بمناسبة تسليم هذه الجائزة، ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030، والذي هو في حد ذاته حدث كبير ولحظة تاريخية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، نهجت المملكة المغربية سياسة قائمة على دينامية الشراكات الاستراتيجية على الأمد الطويل وأبانت الديبلوماسية المغربية عن دينامية ملموسة على عدة مستويات، ترمي إلى الدفاع عن المصالح العليا للمملكة، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وترسيخ إشعاع المغرب عالميا وتعزيز شراكات متعددة الأبعاد.
وحققت المملكة المغربية بخصوص قضية وحدتها الترابية إنجازات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي بفضل موقفها العادل والشرعي، حيث عبرت العديد من الدول الوازنة عن دعمها وتقديرها الإيجابي لمشروع الحكم الذاتي في ظل احترام السيادة المغربية الكاملة على أراضيها، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
وبالموازاة مع ذلك قامت حتى الآن نحو 30 دولة بفتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية المغربية، تجسيدا لدعمها الصريح لمغربية الصحراء، كما حظيت الأقاليم الجنوبية المغربية ببرنامج تنموي طموح يرتكز على منظور متكامل للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة، لاسيما في القطاعات الواعدة والاقتصاد الأزرق والطاقات المتجددة، وكذا في المجالين الاجتماعي والثقافي اللذين شهدا عدة إنجازات في قطاعات الصحة والتعليم والتكوين ودعم مبادرات التشغيل الذاتي والنهوض باللغة والثقافة الحسانية باعتبارها أحد المكونات الرئيسية للهوية الوطنية الموحدة.
وحيث إن السياسة الخارجية للمملكة المغربية تقوم على ثوابت أساسية متمثلة في حسن الجوار والتضامن والشراكة والدفاع عن القضايا العادلة لأمتنا العربية والإسلامية، لابد هنا من التنويه بما يجمع المملكة المغربية بالكويت الشقيقة من أواصر متينة ومتجذرة طبعت علاقاتهما منذ عقود، والإشادة بالموقف النبيل الثابت والراسخ للكويت الشقيقة بخصوص دعم الوحدة الترابية المغربية، وهو الموقف الذي ما فتئت تؤكده في جميع المناسبات وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية، والذي يجسد بحق عمق ومتانة العلاقات الاستثنائية التي تربط البلدين الشقيقين تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد واللذين ما فتئا يعطيان توجيهاتهما السديدة للرقي بتعاون البلدين الشقيقين على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف إلى مستويات أعلى ومراتب أرقى في مختلف المجالات.
وانعكست هذه الصلة الوثيقة بين البلدين على مستوى التعاون بينهما على مختلف الأصعدة، ففضلا عن الدعم القوي والمتبادل على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، شهد التعاون المغربي الكويتي انتعاشا ملحوظا في الفترة الأخيرة، لعل أبرز معالمه تبادل الزيارات الرسمية الوزارية بين البلدين، فضلا عن العديد من الزيارات التي أجرتها وفود مغربية للكويت في إطار التعاون في الميادين العلمية والثقافية والتعليمية، إضافة إلى الوفود الرياضية التي شاركت في عدد مهم من الفعاليات والمسابقات الرياضية العربية والعالمية التي احتضنها البلدان.
ومن أجل رفع حجم التعاون بين البلدين إلى مستويات أعلى تليق بمستوى العلاقات السياسية المتميزة، تعمل سفارة المملكة المغربية على الإعداد بالتنسيق مع الجهات الكويتية المختصة، لتنظيم فعاليتين بالكويت قبل نهاية السنة الحالية، تتمثلان في إقامة أيام ثقافية ذات برنامج غني ومتنوع، وكذا فعالية في المجال الاقتصادي تهم مختلف القطاعات الاقتصادية، وذلك تفعيلا للاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية الموقعة بين البلدين، لاسيما تلك الموقعة في الدورة التاسعة للجنة العليا المشتركة المنعقدة بالكويت في العام 2019، وما افتتاح الخط الجوي المباشر لشركة الخطوط الكويتية بين الكويت والدار البيضاء في بداية شهر يونيو 2022 إلا تجسيدا لهذا التوجه نحو تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين.
ويظل المغرب المتميز بتنوع مكوناته البشرية واللغوية والثقافية وبتراثه العريق والغني أرضا للتلاقي والتسامح والانفتاح، موفرا بفضل ما يزخر به من ثروة بشرية ذات كفاءة عالية وبنياته التحتية العصرية وقطاعاته الإنتاجية المتنوعة والنشيطة ومؤهلاته الطبيعية والسياحية الجاذبة، فضاء خصبا وواعدا للتعاون مع جميع الشركاء الإقليميين والدوليين.