مصر
تشهد أسعار العقارات في مصر ارتفاعات قياسية، تحت وطأة التحديات الاقتصادية الراهنة في ظل ارتفاع معدلات التضخم ضمن تبعات التطورات الجيوسياسية التي فرضت نفسها على مختلف دول العالم بنسب متفاوتة.
تطال تداعيات الأزمة جميع أطراف المنظومة، فبينما تُواجه شركات العقارات انتقادات حادة من جانب الراغبين في الشراء، فإن الشركات نفسها تعاني تحت وطأة ارتفاع أسعار المدخلات الأساسية (مواد البناء)، فضلاً عن الارتفاعات القياسية في أسعار الفائدة في وقت يعتمد كثير من تلك الشركات على التمويلات البنكية في أعمالها.
يفضي هذا المشهد المضطرب إلى مزيدٍ من حالة عدم الاستقرار بقطاع العقارات الذي يواجه تحديات واسعة، وذلك على الرغم من زيادة الطلب الذي يُواجهه في الوقت نفسه ضعف القدرة الشرائية مقارنة بالمستويات السعرية الحالية سواء بالنسبة للإسكان المتوسط والفاخر.
كما ينعكس ذلك المشهد نفسه على “الإيجارات” التي عرفت ارتفاعات واسعة في مختلف المناطق أيضاً، ولا سيما في المناطق التي تشهد تدفقات من قبل الوافدين أو اللاجئين.
فإلى أين يصل قطاع العقارات في مصر؟ وما هي احتماليات استقرار الأسعار في المرحلة المقبلة؟ وهل يواجه القطاع شبح الركود التضخمي؟ وغيرها من الأسئلة يتداولها المصريون الذين يُمنون النفس بالعودة إلى مستويات ما قبل الموجة التضخمية الحالية.
إلى أن يتجه القطاع السكني؟
من جانبه، يقول الخبير العقاري، المهندس عبدالمجيد جادو، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن القطاع العقاري يعاني من مستويات مرتفعة من الأسعار، وليس من المتوقع أن تنخفض تلك الأسعار قريباً، في ضوء مجموعة من العوامل المرتبطة بارتفاع معدلات التضخم في مصر على نحو واسع.
- ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر إلى 40.3 بالمئة في مايو من 38.6 بالمئة في أبريل، بحسب بيانات البنك المركزي.
- الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، سجل معدلاً شهرياً بلغ 2.9 بالمئة في مايو 2023 مقابل معدل شهري بلغ 1.6 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدل شهري بلغ 1.7 بالمئة في أبريل 2023.
ويشير إلى ارتفاع المدخلات (ومن بينها أسعار مواد البناء) مما أثر على ارتفاع أسعار العقار، لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى سببٍ آخر غير مرتبط مباشرة بهذه الأوضاع، يتعلق بما وصفه ب “هوى البائع” في إشارة إلى الزيادات الواسعة التي يفرضها أصحاب العقارات دون وجود معيار واضح لتقييم سعر العقار، وبما يفتح المجال أمام أسعار مختلفة مغالى فيها.
ويستشهد الخبير العقاري فيما يتعلق بمسألة ارتفاع أسعار المدخلات، بارتفاع أسعار الحديد في السوق المحلية على سبيل المثال، وصولاً إلى ما يقارب الـ 40 ألف جنيه للطن (الدولار يعادل 30.95 جنيه) بعدما كان في حدود الـ 10 آلاف فقط قبل الموجة التضخمية الحالية.
ويردف جادو: “ليست هناك آلية ثابتة لتقييم الوحدات السكنية والسعر المناسب لها بما يحقق التوازن بين حقوق البائع والمشتري، وتبعاً لذلك فمن الضرورة بمكان أن يتم تقنين هذه العملية بشكل واضح، وبما يضمن حقوق مختلف الأطراف في القطاع، وبما يضمن كذلك هامشاً مناسباً لتداول العقار (شراؤه وبيعه بعد فترة لتحقيق هامش ربح)”.
ويشدد على أن مالكي العقارات يعملون على تقديم بعض العروض من أجل تسهيل بيع الوحدات، من بينها على سبيل المثال عروض تقسيط على عشر سنوات في بعض الأحيان ضمن محاولات إيجاد آليات لاستيعاب الوضع الراهن”، كما يلفت إلى قيام بعض الشركات بتقييم العقارات تبعاً لسعر الدولار الأميركي تجنباً للضغوط الناجمة عن تراجع سعر العملة المحلية.
وتبعاً لهذه الارتفاعات، يلفت جادو إلى ارتفاع الإيجارات أيضاً، في ظل مشهدٍ مضطرب تعاني منه سوق العقارات بالبلاد تحت وطأة الموجة التضخمية الحالية، مشيراً إلى أنه في ظل الارتفاعات القياسية الحالية “ليس من المتوقع أن يكون هناك تراجع سريع.. الأمر يستغرق وقتاً ويتطلب مزيدا من الإجراءات ذات الصلة للسيطرة على الأسواق”.
وسجل التضخم ارتفاعات حادة خلال العام الماضي بعد سلسلة تخفيضات لقيمة الجنيه بدأت في مارس 2022 فضلاً عن نقص العملة الأجنبية لفترة طويلة والتأخير في الإفراج عن الواردات.
استقرار الطلب
وفي سياق متصل، يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه “في ظل انخفاض قيمة الجنيه المصري كان العقار أحد الملاذات الآمنة لتوجيه السيولة مثله في ذلك مثل الذهب والعملات الأجنبية، فقد لجأ الكثيرون ممن لديهم فوائض مالية إلى الاستثمار في العقارات لحفظ قيمة أموالهم بعد التراجع في قيمة العملة المحلية”.
وتراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنحو 50 بالمئة منذ مارس من العام الماضي. فيما كان يُتوقع لجوء مصر إلى خفض جديد للعملة قبل أن يُلمح الرئيس عبد الفتاح السيسي، أخيراً إلى أنه من المستبعد خفض قيمة العملة مرة أخرى قريباً وذلك في تصريحاته خلال مؤتمر للشباب، الأربعاء، وقال إن تلك الخطوة من شأنها أن تضر بالأمن القومي والمواطنين.
ويضيف الغايش: “قطاع العقارات يواجه حالياً مؤثرات إيجابية وأخرى سلبية، أما لجهة العوامل الإيجابية فإنها ترتبط بمعدلات الطلب على العقار، لا سيما في قطاع الإسكان المتوسط”.
بينما على الجانب السلبي الذي يمثل تحدياً للقطاع، فيلفت إلى أنه “في السنوات القادمة بشكل خاص سوف تظهر تأثيرات ذلك جلياً، وهو مرتبط باعتماد كثير من الشركات العقارية على تمويلات بنكية في عمليات التخطيط والبناء، وبينما معدلات الفائدة مرتفعة جداً، فإن ذلك من شأنها أن يشكل ضغطاً كبيراً على ميزانيات تلك الشركات، ما قد يدفعها لاحقاً إلى بيع العقارات بأسعار متدنية لتوفير السيولة من أجل سداد التزاماتها.. أما بالنسبة للشركات التي حصلت على تمويلات -قبل ارتفاع الفوائد- فقد استفادت بالفعل من هذه المعدلات المنخفضة”.
ويعتقد بأن أسعار العقارات مرشحة لأن تشهد حالة من الاستقرار، لكن بالنسبة للقطاع الفاخر أو سكن الرفاهية “أعتقد بأنه سوف يواجه بعض المشاكل في المرحلة المقبلة”.
أزمة المطورين العقاريين
من ناحية أخرى، فإن الخبير العقاري، المستشار أسامة سعد الدين، وهو المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات بالقاهرة، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن مختلف القطاعات الصناعية تواجه مجموعة من التحديات المختلفة (في ضوء تبعات العوامل الاقتصادية الراهنة)، وصناعة العقار عموماً ليست بمنأى عن تلك التحديات، لا سيما وأنها مرتبطة بمجموعة من المدخلات من الصناعات الثقيلة”.
لكنّه يشير إلى مجموعة التيسيرات التي منحتها الحكومة المصرية لمساندة المطورين العقاريين من أجل تجاوز مرحلة التحديات الراهنة، ويقول: “طالما أن الدولة تضع يدها بيد المطورين العقاريين فإن قطاع العقارات سوف يعود لمستويات نشاطه، لا سيما وأن الاحتياج لا يتوقف بالنسبة للعقار، بينما الإنتاج أقل من المطلوب في السوق المحلية على رغم تراجع القدرة المالية”.
وتتبنى الحكومة المصرية رؤية خاصة لتعظيم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وقد اتخذت في سبيل ذلك عدداً من المبادرات التحفيزية التي من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين، كان آخرها قائمة بـ 22 قراراً جديداً تم اتخاذهم خلال أعمال الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار بعد إعادة تشكيله.
تضمنت تلك القرارات تعديلات تشريعية للتغلب على قيود تملك الأراضي، وتسهيل تملك الأجانب للعقارات.
ويستطرد: “القطاع العقاري يتعافى، وسوف يستمر في هذا الاتجاه مادام المطور لديه عزيمة من أجل مواصلة الاستثمار، وكذلك الدولة تدعمه، وفي وجود مستهلك يحتاج إلى العقار.. وبالتالي فإن توافر تلك الاشتراطات الثلاثة من شأنه المساهمة في انتعاش العقار”.
ويتحدث عن العروض التي اضطر بعض المطورين إلى تقديمها لتنشيط المبيعات مثل “التقسيط على فترات طويلة”، متوقعاً أن يتراجع ذلك الاتجاه في الفترة المقبلة، لا سيما في ضوء وجود ما وصفه بـ “التحديات المفزعة” التي قد تجعل المطور يتحمل فارق الأسعار حال حدوث أي تطورات مختلفة (بالإشارة إلى الأسعار وسعر صرف العملة) خاصة في القطاع السكني، بينما يمكن أن تتواصل تلك العروض في القطاع التجاري والإداري”.