أسواق الأضاحي في مصر تشهد ركودا نسبيا بسبب ارتفاع الأسعار
شكَّلَ موسم عيد الأضحى في مصر هذا العام موسماً استثنائياً عصيباً، في ظل الارتفاعات المطردة بأسعار اللحوم الحمراء بالأسواق، لا سيما مع اعتماد مصر على الاستيراد لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في السوق المحليّة، لتصل أسعار اللحوم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، ما تسبب في تراجع نسبي بحركة البيع مقارنة بمواسم سابقة.
من جانبها، عملت الحكومة المصرية، خلال الأشهر الأخيرة، على ضبط الأسواق وموازنة الأسعار، من خلال ضخ كميات من اللحوم المستوردة بالمنافذ المختلفة التابعة لها وبأسعار أقل من الأسواق، بدءًا من 200 جنيه للكيلو (6.5 دولار تقريباً)، ما أسهم في تحريك السوق بشكل نسبي، وساعد على تراجع الأسعار القائم (الحي) بشكل طفيف مع قرب الموسم من نهايته.
وبينما يُعول المصريون على تراجع أوسع في أسعار اللحوم التي قاربت مستويات الـ 500 جنيه (16 دولاراً تقريباً) للكيلو للمستهلك في المحال على حسب قطعية اللحم ومنطقة البيع، بعد انتهاء ذروة الموسم الحالي.
وفيما تشير تقديرات التجار إلى انخفاض محتمل في الأسعار بعد انتهاء الموسم -الذي عادة ما يشهد تحريكاً نسبياً للأسعار- إلا أنهم لا يعتقدون بأن تلك التراجعات من شأنها عودة الأسعار إلى سابق عهدها قبل الطفرات الأخيرة، لا سيما في ظل تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، بينما القاهرة تعتمد بالنسبة الأكبر على استيراد اللحوم من الخارج لتغطية العجز.
وكانت واردات مصر من اللحوم في الأشهر الثلاث الأولى من العام الجاري، قد تراجعت بنسبة 54.3 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، لتسجل نحو 249.8 مليون دولار في الربع الأول من 2023، مقابل 546.7 مليون دولار فى الربع الأول من 2022. فيما قامت الحكومة في الأشهر الأخيرة بفتح منافذ للواردات من تشاد وجيبوتي للمساهمة في خفض الأسعار بالأسواق المحلية.
بشرى للمصريين
وإلى ذلك، يزف نقيب الفلاحين في مصر، حسين عبد الرحمن أبوصدام، بشرى للمصريين في هذا السياق، مشيراً إلى أن أسعار اللحوم مُرشحة للتراجع بنسبة تصل إلى 20 بالمئة بعد عيد الأضحى المبارك، بعد انتهاء ذروة الموسم التي تشهد طلباً أكبر على الشراء من جانب التجار والمواطنين.
ويضيف: “خلال الأيام الأخيرة من موسم عيد الأضحى تراجعت أسعار اللحوم القائم (الحيّة) بنحو خمسة جنيهات بالنسبة للبقري والجاموسي والضاني (لحم الضأن)، وهو مؤشر على تراجع مُحتمل للأسعار بعد انتهاء الموسم مباشرة”. ويُحدد في هذا السياق مجموعة من العوامل التي تدعم هذه التراجعات، على النحو التالي:
- أثر انخفاض القوة الشرائية، وبما تسبب في تراجع الطلب مقارنة بالمواسم السابقة، الأمر الذي يدفع التجار إلى خفض الأسعار.
- جهود الحكومة المصرية في توفير اللحوم بالأسواق، واستيراد اللحوم الحيّة والمبردة والمجمدة، لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك (بالإشارة إلى التعاقدات التي أبرمتها الحكومة مع عددٍ من الدول الأفريقية بشكل خاص لاستيراد اللحوم، علاوة على الكميات التي وصلت مصر بالفعل في الفترات الأخيرة).
- الانخفاض النسبي بأسعار معظم المواد الغذائية البديلة، مثل الدجاج والأسماك.
- الإفراجات التي تمت على مستلزمات الأعلاف، بما أعطى أريحية للمربين.
وكانت واردات مصر من اللحوم والأبقار والجاموس الحية، قد سجلت تراجعاً طفيفاً خلال العام 2022 لتبلغ 1.622 مليار دولار في مقابل 1.639 مليار دولار خلال 2021، بانخفاض 1 بالمئة.
وفي سياق متصل، يعتقد نقيب الفلاحين، كذلك بانخفاض محتمل لأسعار الدواجن في حدود الـ 10 بالمئة بعد موسم عيد الأضحى، لا سيما أن دورة تسمين وتربية الدواجن تستمر لأربعين يوماً، وبالتالي لا يُتوقع أن تظهر آثار الانخفاض المحتمل بالأسعار بشكل مباشر بعد العيد، مقارنة بأسعار اللحوم التي هي مرتبطة بالكميات المتسوردة في الأساس.
وتنتشر بالعاصمة والمحافظات منافذ البيع الحكومية المختلفة، والتي تقدم اللحوم الحمراء بأسعار أقل من أسعار السوق، بخلاف مبادرات شعبية وجهود أحزاب مصرية لافتتاح منافذ أيضاً لبيع اللحوم بأسعار مخفضة خلال الموسم.
يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الحملات الحكومية الرقابية على الأسواق والمحال التجارية؛ للتأكد من توافر السلع الرئيسية وصلاحية السلع المعروضة، وكذا المتابعة الدورية للأسواق، والإشراف الكامل على المجازر، وتوفير الأطقم اللازمة لتشغيلها، ومنع ذبح الأضاحي خارجها.
أسعار اللحوم الحمراء
ويذكر أنه في موسم عيد الأضحى الماضي (موسم 2022)، كانت أسعار اللحوم للمستهلك على النحو التالي: (من 180 إلى 200 جنيه للكندوز، والبقري من 170 إلى 200، والجملي من 130 إلى 140، والضأن من 180 إلى 200 جنيه).
أما الأسعار في موسم 2023، فقد تراوحت اللحوم البقري البلدي من 330 إلى 350 جنيها للكيلو، والبتلو في حدود 290 جنيهاً، والضأن 370 جنيهاً، والجملي من 280 إلى 340 جنيهاً، واللحوم المجمدة 200 جنيه تقريباً.
انخفاض محتمل
ومن جانبه، يتفق نائب رئيس شعبة القصابين (الجزارين) بالغرفة التجارية بالقاهرة، هيثم عبدالباسط، مع تقديرات نقيب الفلاحين المشار إليها، ويلفت إلى انخفاض محتمل في أسعار اللحوم بعد انتهاء موسم عيد الأضحى المبارك.
ويقول عبدالباسط لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المحال خلال الموسم شهدت تراجعاً ملحوظاً في المبيعات، مقارنة بالمواسم السابقة (جراء عوامل انخفاض القدرة الشرائية التي أشار إليها نقيب الفلاحين في تصريحاته، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة مع ارتفاع معدلات التضخم بالبلاد)، الأمر الذي يدفع التجار إلى خفض الأسعار لاحقاً بعد انتهاء الموسم من أجل تحريك السوق وعملية البيع.
وائل عنبة: التضخم في مصر له طبيعة خاصة
ويلفت إلى أن الأوضاع التي تشهدها السوق أضرت بالكثير من القصابين، ممن اضطروا تكبدوا خسائر مالية كبيرة، حتى أن بعضهم اضطر للتوقف والخروج من المنظومة مؤقتاً في ظل ارتفاع الأسعار والتي يقابلها انخفاض في الطلب بشكل ملحوظ، معزياً تلك الحالة إلى مغالاة المستوردين وكبار التجار لتحقيق أرباح مبالغ فيها بشكل كبير، وبما يحمل القصابين أعباءً واسعة.
وطبقاً للبيانات الحكومية، فإن مخزون اللحوم المجمدة في مصر يكفي لمدة 4.4 شهر، بينما اللحوم الحية تكفي لمدة 3 أشهر بخلاف التعاقدات.
وأشار وزير التموين الدكتور علي مصيلحي، خلال لقائه مع رئيس الوزراء المصري قبيل العيد، إلى وصول 2500 رأس حية من دولة جيبوتي من إجمالي 10 آلاف رأس تم التعاقد عليها، فضلاً عن الاتفاق مع المسئولين في دولة أوغندا على توريد عدد من اللحوم الحية والمجمدة في إطار تنويع مصادر الحصول على هذه اللحوم.
وتشير البيانات الحكومية أيضاً إلى أن مصر لديها تعاقدات من اللحوم المجمدة تكفي لأكثر من 11 شهرًا، بخلاف وجود 3750 رأسًا حية في المحاجر حالياً، علاوة على تعاقدات على 55 ألف رأس، منها 10 آلاف من جيبوتي، وغيرها من الدول الأخرى.