الذكاء الاصطناعي والغذاء
“هل يُمكن أن يطبخ الكمبيوتر؟”.. سؤال استنكاري طرحه الموسيقار المصري، راجح داوود، في تصريحات إعلامية سابقة له؛ رداً على الدور الذي يُمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى، وذلك في معرض حديثه عن تقديم صوت كوكب الشرق “أم كلثوم” من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي.
استخدم داوود هذه المقاربة، لتبسيط وجهة نظره الفنيّة البحتة بخصوص حجم تأثير الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى، لكن ذلك التشبيه ربما في نظر المختصين بالذكاء الاصطناعي لا يبدو في محله بشكل دقيق؛ على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي وإن لم يكن بوسعه “الطهي” بشكل مباشر، فإنه ربما يمكنه فعل ما هو أصعب من ذلك بكثير، بالنظر إلى الفرص التي يُقدمها في مجال صناعة الأغذية عموماً.. فكيف ذلك؟
هل تسيطرة الآلة على البشرية؟
“سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير أكبر على صناعة الأغذية؛ ذلك أنه سيحول الجوانب المختلفة لسلسلة التوريد وعمليات الإنتاج، والجودة وتجارب العملاء، وكذلك جهود الاستدامة وبعض الجوانب الأخرى”، هذا ما يؤكده الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
في نقاط، يشرح الاستاذ والمستشار الأكاديمي في جامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، أبرز أوجه استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأغذية، وكذلك أبرز التحديات وسبل التغلب على جزء كبير منها.. وقد تمثلت أبرز الاستخدامات في سبعة أوجه رئيسية، على النحو التالي:
- الزراعة الدقيقة
يُمكِّن الذكاء الاصطناعي المزارعين من تحسين حصاد المحاصيل، وتقليل هدر الموارد؛ من خلال تحليل البيانات عبر أجهزة الاستشعار والأقمار الاصطناعية والطائرات بدون طيار، كما يمكن أن تساعد خوارزميات التعلم الآلي في التنبؤ بأنماط الطقس، واكتشاف الأمراض في النباتات، وتحديد الوقت الأمثل للحصاد. - سلامة الأغذية ومراقبة الجودة
يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لمراقبة وتحليل البيانات من أجهزة الاستشعار والكاميرات والأجهزة الأخرى، لتحديد الملوثات المحتملة أو التلف أو العيوب في المنتجات الغذائية؛ هذا يساعد على ضمان سلامة وجودة الأغذية، والحد من الأمراض، إضافة إلى زيادة ثقة المستهلك. - تحسين سلسلة التوريد
يمكن للذكاء الاصطناعي، تحسين كفاءة سلسلة الإمداد الغذائي، من خلال تحسين إدارة المخزون والتنبؤ بأنماط الطلب، علاوة على تبسيط الخدمات اللوجستية. - التوصيات الشخصية وتجربة العملاء
يمكن لأنظمة التوصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تحليل تفضيلات العملاء، والقيود الغذائية، وسلوك الشراء، لتقديم توصيات طعام مخصصة؛ هذا يعزز تجربة العميل، ويزيد من ولاء العملاء، ويدفع المبيعات في صناعة المواد الغذائية. - تطوير المنتجات الغذائية
يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير منتجات غذائية جديدة، من خلال تحليل قواعد البيانات الواسعة للوصفات والمكونات والمعلومات الغذائية، وبما يساعد في إنشاء عروض طعام فريدة ومرغوبة. - الزراعة والإنتاج المستدامان
تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضاً، في تحسين استخدام الموارد وتقليل الأثر البيئي للزراعة وإنتاج الغذاء، بحيث يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحسين إدارة المياه، وتحسين استهلاك الطاقة، وتقليل استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة، بما يدعم تعزيز الممارسات المستدامة. - الحد من هدر الطعام
يمكن للذكاء الاصطناعي، أن يلعب دوراً حاسماً في الحد من هدر الطعام في جميع مراحل سلسلة التوريد، من خلال تحليل البيانات مثل مستويات المخزون وأنماط الطلب وتواريخ انتهاء الصلاحية، كما يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاج والتوزيع وإدارة المخزون؛ ويمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تتنبأ بطلب المستهلك بشكل أكثر دقة، مما يقلل من احتمالية المنتجات غير المباعة والنفايات.
ومن خلال القدرة على معالجة كميات كبيرة من البيانات وتحليلها بسرعة، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير رؤى قابلة للتنفيذ لمنع إهدار الطعام وتحسين استخدام الموارد.
ستة تحديات رئيسية
على الجانب الآخر، يرصد الدكتور أحمد بانافع، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بعض العيوب والتحديات المحتملة، والتي يرى أنه يتعين أخذها في الاعتبار، ومن بينها ستة عوامل رئيسية:
- الافتقار إلى اللمسة البشرية
- محدودية جودة البيانات، والتحيز
- مخاوف الخصوصية وأمن البيانات
- الاعتبارات الأخلاقية
- الاستغناء عن الوظائف
- فشل النظام.. والثغرات الفنية
ويشرح تلك العناصر، بالإشارة أولاً إلى أن “أنظمة الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الحدس البشري والإبداع وفهم السياق”، على اعتبار أنه في جوانب معينة من صناعة الأغذية، مثل تطوير الوصفات أو خدمة العملاء، قد تكون اللمسة البشرية والتفاعلات الشخصية مفضلة على أنظمة الذكاء الاصطناعي الآلية.
كما أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي، تعتمد بشكل كبير على البيانات للتدريب واتخاذ القرار؛ وإذا كانت بيانات الإدخال ذات جودة منخفضة أو غير مكتملة أو متحيزة، فقد تؤدي إلى نتائج غير دقيقة أو متحيزة؛ ويمكن للبيانات المتحيزة أن تديم عدم المساواة أو الممارسات التمييزية، خاصة في مجالات مثل التوصيات الغذائية أو خوارزميات التوظيف.
كما يلفت إلى مخاوف الخصوصية، بالإشارة إلى أنه غالباً ما تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي، في صناعة الأغذية، بجمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات الشخصية، بما في ذلك التفضيلات الغذائية والمعلومات الصحية وسلوك الشراء.
طبيعة وطريقة الوصول لهذه البيانات، تعتبر أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة المستهلك والامتثال للوائح الخصوصية.
واتصالاً بذلك، يلفت أيضاً إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي، يثير “مخاوف أخلاقية” يجب معالجتها بعناية؛ فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتلاعب بخيارات المستهلك أو خداعهم من خلال الإعلانات أو التوصيات المخصصة.
إن الشفافية وقابلية التفسير والإنصاف في أنظمة الذكاء الاصطناعي ضرورية لضمان الاستخدام الأخلاقي وتخفيف الضرر المحتمل.
كما يتطرق الدكتور أحمد بانافع، لتحدٍ آخر وهو “الاستغناء عن الوظائف”، مشدداً على أن الأتمتة التي تم تمكينها بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، قد تؤدي إلى الاستغناء عن الوظائف وتعطيل القوى العاملة في مجالات معينة من صناعة الأغذية؛ ومن الأهمية بمكان النظر في التأثير الاجتماعي والاقتصادي لاعتماد الذكاء الاصطناعي وضمان إعادة تشكيل المهارات أو فرص إعادة التوظيف المناسبة للعمال المتضررين.
الذكاء الاصطناعي وراء إصابة الموظفين بأعراض خطرة!
وفيما يخص التحدي المرتبط بفشل النظام، يشير الخبير المتخصص في تكنولوجيا المعلومات، إلى أنه يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى نقاط ضعف، إذ يمكن أن تؤدي حالات فشل النظام، أو الثغرات الفنية أو انتهاكات الأمن السيبراني، إلى تعطيل العمليات والتأثير المحتمل على سلامة الأغذية أو إدارة سلسلة التوريد أو تجارب العملاء.
وتعد خطط النسخ الاحتياطي القوية وتدابير الطوارئ ضرورية للتخفيف من هذه المخاطر.
معالجة العيوب
وفي السياق، يشير بانافع، إلى أنه لمعالجة هذه العيوب والتحديات، من المهم اعتماد ممارسات مسؤولة للذكاء الاصطناعي، وضمان الشفافية، وتعزيز التعاون بين البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وتقييم آثار ونتائج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأغذية بانتظام.