عدن - كتبت هبة الوهالي - في 25 سبتمبر الماضي، نشرت «صحيفة سعودية» تحقيقاً استقصائياً بعنوان «حبة الخروع سلاح بيولوجي فتاك متداول في الأسواق»، مسلطاً الضوء حول مدى خطورة بذور نبات الخروع التي تباع في عدد من محلات العطارة كدواء عشبي، رغم أنها شديدة السمية ويشتق منها سم «الريسين» الذي يعد سلاحاً بيولوجياً فتاكاً، وتم استخدامه خلال السنوات القليلة الماضية في عدة عمليات إرهابية من بينها محاولتان فاشلتان لاغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في حين قاد التحقيق الميداني حينها إلى وجود تداول لعدد من النباتات العشبية السامة من قبل العطارين والمعالجين الشعبيين، ومنها ما هو مدرج ضمن قائمة هيئة الغذاء والدواء للأعشاب والنباتات الطبية المحظورة، في حين توجد لدى محلات العطارة نباتات عشبية ذات سمية متفاوتة ولكنها غير مدرجة ضمن قائمة الأعشاب المحظورة أو القائمة المسموح بها وفقاً لـ«اللائحة التنفيذية لنظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية»، التي تتضمن المعايير الأساسية اللازمة لاستهلاك النباتات العشبية المصرح بها بشكل آمن، وكذلك المعايير المتعلقة بكيفية حفظ وتخزين هذه الأعشاب بما يحافظ على سلامتها وفاعليتها الدوائية.
ولكن لأسباب متعددة ومختلفة، توجد منذ سنوات عديدة مساحات شاسعة لممارسة «الطب البديل» أو «الشعبي» خارج إطار اللوائح والاشتراطات الرقابية في هذا المجال، وهو ما بات يتطلب توعية مكثفة للمستهلك بمدى أهمية الالتزام بعدم التداوي بالنباتات العشبية، دون أن يكون على دراية ووعي بكيفية استخدامها وكمية الجرعات التي يجب أخذها، بالرجوع إلى المختصين المرخصين لمزاولة هذا المجال، إضافة إلى أهمية عدم استخدام أي نباتات وخلطات عشبية مجهولة أو تحتوي على مكونات محظورة لتجنب أي أعراض صحية سلبية، علماً أن غالبية النباتات العشبية ذات المفعول الدوائي تحتوي على نسب متفاوتة من السموم، والكثير من هذه السموم قد لا تظهر أعراضها الخطيرة إلا بعد مرور سنة أو سنتين من تعاطيها. في هذا الصدد، التقت «عكاظ» بأستاذ علم العقاقير البروفيسور جابر القحطاني للحديث حول الكثير من المعلومات الخفية والمهمة عن الطب البديل أو التكميلي ومجال التداوي بالأعشاب وفوائدها وأضرارها، وسألناه حول الكثير مما يدور في هذا الفلك باعتباره قامة علمية معروفة ويعد عالماً موسوعياً بارزاً في مجال العقاقير والأعشاب، خاض غماره وسبر أغواره على مدى أكثر من خمسة عقود ونيف، حيث انطلقت مسيرته العملية عام 1967 بتعيينه معيداً في قسم العقاقير بكلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، وهو أحد أهم المختبرات التحليلية لسموم النبات على مستوى المملكة، وتدرج في عدد من المناصب الأكاديمية ذات العلاقة، من بينها رئاسة قسم العقاقير وعمادة كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، كما عين مديراً لمركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة عام 1989، ورأس اللجنة العلمية المركزية لطب الاعشاب في المملكة (1999-2004)، كما عين مديراً لمركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة في 2004، وعين رئيساً للجنة تسجيل الأدوية العشبية والمستحضرات الصحية بوزارة الصحة، وله نحو 17 مؤلفاً جميعها تدور في موضوعات مرتبطة بمجال التخصص عن النباتات والأعشاب السامة والطب البديل في المملكة، إضافة إلى أكثر من 135 بحثاً علمياً تم نشرها في مجلات علمية محكمة.. فإلى نص الحوار:
• بداية.. ماهي أخطر الأعشاب والنباتات السامة في المملكة؟ وأين تتواجد وكيف نميزها؟
•• الأعشاب السامة في المملكة كثيرة، وهي عادة تتميز بألوانها الزاهية وكذلك ثمارها أو أزهارها، ولذلك عادة ما تكون مغرية للأطفال، فحين يشاهدون ثمرة ذات لون أحمر جميل قد يحاولون تذوق طعمها أو قطف زهرة جميلة وامتصاص رحيقها، وقد ألفت كتاباً بالاشتراك مع الدكتورة سوسن المصري، يرصد هذه النباتات والأعشاب بعنوان: (النباتات السامة في المملكة العربية السعودية)، وصدرت الطبعة الأولى منه عام 2005.
ويوجد أكثر من 80 نبتة وعشبة سامة في أرجاء المملكة، ومن بينها ما يباع لدى العطارين والمفترض ألا تباع، ووثقنا حالات تسمم من جميع هذه النباتات، كانت ترد إلى المستشفيات المختلفة في أرجاء المملكة، ولأن الأطباء في المستشفيات عامة ليست لديهم تفاصيل دقيقة عن هذه النباتات وأنواع السموم الموجودة فيها، فلذلك ترسل إلينا في «قسم العقاقير» بجامعة الملك سعود عينات من هذه النباتات التي تسمم بها الشخص لتحليلها وتحديد اسمها وتفاصيلها والمواد العلاجية التي تعطى للمتسمم حتى لا يتعرض للموت أو مضاعفات خطيرة، علما أن «قسم العقاقير» هو الجهة المتخصصة التي تحلل أي نبات سام، وتعود إليه وزارة الصحة والمستشفيات كمرجع أساسي عندما تأتيها حالات تسمم متعلقة بتعاطي نباتات وأعشاب سامة، ليقوم القسم بتزويدهم بكافة المعلومات التي تحتاجها هذه المستشفيات للتعاطي مع الحالات التي تردهم، لأنهم لا يستطيعون إعطاء العلاج المناسب ما لم يعرفوا السبب الأساسي الذي أدى إلى التسمم.
• إذا كانت بعض هذه النباتات تباع في أسواق العطارة، فما هي الأكثر خطورة على حياة المستهلك؟
•• غالبية النباتات والأعشاب الطبية بها درجات من السمية، ولذلك يعتمد الأمر على كمية الجرعة المعطاة من قبل «المختص المعتمد بترخيص في مجال الطب البديل والتداوي بالأعشاب» أو طبيب أو صيدلاني أو متخصص في علم العقاقير، وحينها يصف المختص جرعات محددة ومدروسة ولا تضر بصحة الإنسان بل تفيده، ولكن هناك نباتات سامة تكون قاتلة في حال تعاطيها بشكل خاطئ أو دون دراية وإلمام بكيفية استخدامها بالتحديد، وقد أوردت أنواعها بالتفصيل في كتاب: «السموم داء ودواء» الصادر العام الماضي، ورغم أنها قاتلة إلا أنها تعتبر أيضاً سموما دوائية أي تحتوي على دواء مفيد، ومن الخطأ والخطر أن تقدم هذه النباتات والأعشاب لأي شخص دون دراية كافية ومعرفة بالكمية والكيفية التي يتعاطى بها هذه الأعشاب بغاية التداوي.
ومن أبرز وأخطر هذه النباتات السامة جداً التي قد تجدها تباع لدى العطارين؛ «المنفلة»، و«حبة الملوك»، و«بذور الخروع»، و«عين الديك»، وبعض هذه النباتات السامة مدرجة ضمن القائمة التي تعدها هيئة الغذاء والدواء عن «الأعشاب المحظور بيعها»، وقد لا تجدها في المحلات بسبب الرقابة عليها من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، وبعضها لم يحظر بيعه، والمحظور منها قد تجده يباع بشكل غير نظامي في بعض محلات العطارة أو من قبل المعالجين الشعبيين.
• وجدت أن «حبة الملوك» و«بذور الخروع» تباع في الكثير من محلات العطارة دون تحفظ رغم سميتها الشديدة.. ما هي الغاية منها؟
•• هي توصف عادة كمسهلات قوية، وتعطى بجرعة لا تزيد على حبة واحدة لهذا الغرض، ولكن نخشى وصول الأطفال لها،خاصة أن التهام 3 حبات منها قد يكون كافياً لأن يؤدي إلى الوفاة، وأيضاً في حال تنزه الأطفال بالقرب من أشجار الخروع التي تتساقط منها عادة البذور على الأرض وتكون مغرية لتناولها لأنها تشبه «الفستق» في الشكل والطعم، وقد وثقت حالة من هذا النوع لطفل في التاسعة من العمر في مدينة الخرج توفي بسبب تناول حبوب الخروع داخل إحدى المزارع، وتنتشر هذه الأشجار في منطقة الخرج وفي جميع أنحاء المملكة وتنمو بشكل عفوي وبالزراعة أيضاً، وتحتوي بذورها على سم الريسين ويعد من أشد السموم فتكاً.
تفاح قاتل في متنزه عام
• أشارت بعض المقاطع المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي سابقا إلى وجود نباتات سامة في بعض المتنزهات العامة، ما مدى صحة ذلك؟ وهل وردتكم حالات تسمم في مثل هذه الأماكن؟
•• قبل عدة سنوات شاهد أحد الأشخاص بأحد متنزهات مدينة الدمام شجرة جميلة لها ثمار تشبه التفاح الصغير، فقام بقطف الثمرة وأكلها ظناً منه أنها أحد أنواع التفاح، ثم أغمي عليه بعد فترة وجيزة وتم نقله إلى مستشفى الملك خالد، ولم تكن لدى المستشفى معلومات حول نوع هذه الشجرة أو ما إذا كانت سامة أم لا، وتوفي الرجل في اليوم نفسه، وبعد تداول الحادثة في الإعلام، أطلقت إحدى الصحف على هذا النبات حينها مسمى «شجرة الموت»، وفي الحقيقة هذا النبات هو «الدفلة الصفراء»، وللأسف أنه من الأشجار المستوردة من الخارج بغرض الزينة وكانت تزرع في المتنزهات والشوارع العامة والمنازل للزينة رغم أنها خطيرة جداً وقاتلة.
وهناك حوادث مشابهة بسبب أنواع أخرى سامة من نبات «الدفلة» مثل «الدفلة الحمراء» و«الدفلة البيضاء»، ومنها حادثة وقعت في مدينة الخرج لطفل تناول أزهار الدفلة الحمراء أثناء تنزهه في إحدى الحدائق، وتوفي بسببها، ولاحقاً تواصل المستشفى والجهات المعنية معنا في «قسم العقاقير» وزودونا بعينة مما تناوله الطفل، وقمنا بتحليلها وتحديد نوع النبات السام لتحديد العلاج المناسب، وعادة إذا تم تزويدنا بعينة من النبات أو غصن النبات فمن السهل أن نزودهم بالمعلومات في الوقت نفسه، ولكن إذا كان النبات على هيئة مسحوق أو على هيئة عقار فهذا الأمر يحتاج إلى وقت لأننا نكون بحاجة إلى إجراء تحليلات مخبرية حتى نصل إلى معرفة ما هو نوع النبات.
• صف لنا إحدى حالات التسمم القاتلة بسبب وصفات عشبية من قبل العطارين، أو عن طريق معالج شعبي.
•• قبل سنوات ذهبت امرأة إلى مستشفى الملك فهد للحرس الوطني بالرياض، وكانت تشكو من آلام في المعدة ومشاكل في الهضم وكتب لها الطبيب المختص عددا من الأدوية العلاجية، لكن بدلاً من أخذ العلاج نصحتها إحدى صديقاتها بالذهاب إلى معالج شعبي، وهو أمر لا ننصح به نهائياً، وقام المعالج بإعطائها عشبة نباتية وبعد يومين من تناولها بدأت تظهر عليها أعراض اصفرار في العينين والوجه واحمرار الكفين وتلون البول بلون بني غامق، وهي أعراض إصابة في الكبد، فاضطرت للذهاب إلى المستشفى مجدداً وهناك طلبوا من المريضة جلب عينة من النبات، وتم إرسالها إلينا في قسم العقاقير وكانت عبارة عن غصن من النبتة وتعرفنا عليها في الحال وهي نبات «الرمرام» السام، وحينها عدت لأحد المراجع العلمية عن السموم، وبحسب المرجع فإن تعاطي هذا النبات يتسبب في «تلف الكبد التام» ويؤدي إلى الوفاة في غضون 12 يوما، فاتصلت حينها على الطبيب الذي تعامل مع الحالة وأطلعته على نسخة من المعلومات حول التسمم بذلك النبات، وسألته: كم يوماً مضى على استخدام تلك النبتة؟ فأجاب الطبيب: 4 أيام، فقلت ربما يتبقى أمامها نحو 8 أيام، وشاء الله أن تتوفى بالفعل في غضون الـ8 أيام، وكانت من الحالات التي قمت بتوثيقها في كتاب: (أعشاب الموت: قصص من الواقع) الصادر عام 2014، والمعالجون الشعبيون مع الأسف كثير منهم لا يفهمون شيئا، أو أميون أساساً، ويصفون وصفات خطيرة تؤدي إلى الفشل الكلوي وتلف الكبد والعقم والسرطانات وسيولة الدم (النزيف الداخلي)، بسبب الوصفات التي تحتوي على أعشاب ونباتات سامة.
وكذلك يجب ألا نتعاطى أي وصفة علاجية يصفها أحد الأصدقاء أو الأقرباء حتى إن كانت مجربة من قبلهم وثبت لهم أنها ناجعة، لأن ما قد يصلح لأحد ربما لا يصلح لآخر، ويجب ألا تلجأ إلى الطب البديل إلا من خلال متخصصين معتمدين.
• في كتاب «أعشاب الموت» رصدت حالة وفاة لسيدة بسبب تناولها عشبة «عين الديك»، ولكن لماذا لم تسحب من الأسواق رغم أن الجهات الرقابية قررت سحبها؟
•• الواقعة حدثت قبل نحو 20 عاما، حيث ذهبت امرأة شابة إلى أحد محلات العطارة في الرياض واشترت من العطار وصفة عشبية متداولة بين النساء تسمى «المردود» وتستعمل بعد الولادة لتضييق الرحم، وكانت الخلطة تحتوي على بذور تسمى «عين الديك» وهي نبات معمر ينبت في جنوب المملكة له ثمار تشبه الفاصولياء، بداخلها بذور نصفها باللون الأحمر والنصف الآخر أسود، وتحتوي على مركب سام جداً يسمي علمياً «الأبرين» وله فوائد طبية، ولكن الجرعة الطبية صغيرة جداً وتحسب بـ«الميكروغرام»، علماً أن بذرتين كافيتان لقتل إنسان، ويبدو أن هذه السيدة أخذت جرعة كبيرة من الخلطة أدت إلى وفاتها، ولاحقا قدم زوجها شكوى إلى وزارة الصحة وحين تأخر الرد قام بنشر قصته في إحدى الصحف بعنوان «بذور عين الديك قتلت زوجتي يا وزير الصحة»، وحينها كان وزير الصحة الدكتور أسامة شبكشي، وتم تكليفي بمتابعة هذه القضية ومعرفة من أي محلات العطارة حصلت السيدة على الخلطة، وما هي النبتة السامة، وبالفعل وجدت هذه النبتة عند العطارين في أسواق العويس بالرياض، وأبلغت وزير الصحة بالتفاصيل، ومدى خطورة هذه النبتة القاتلة، وكنت أنصح بألا تدخل بأي حال من الأحوال في أسواق العطارة، وقامت وزارة الصحة حينها بإرسال مندوبين للتفتيش عنها في محلات العطارة ورصدوا هذه الحبوب، وطلبوا من أصحاب المحلات ألا تباع على أن يعودوا إليهم بعد 3 أيام لسحبها، وبعد أسبوع ذهبت لأسواق العطارة للتأكد ووجدت بالفعل أن أصحاب المحلات توقفوا عن بيعها ووضعوها في أماكن للتخزين انتظاراً للجهة التي ستأتي لأخذها، وبعد فترة عدت لهذه المحلات ووجدتهم عادوا لبيعها، وحين سألتهم عن السبب أكدوا ألا أحد عاد لسحبها.
• كيف تنظم الأجهزة الرقابية مسألة بيع الأعشاب في الأسواق؟
•• قبل أكثر من 15 عاماً شاركت ضمن لجنة ضخمة تشكلت من عدة جهات بينها: «وزارة الصحة، والشؤون البلدية والقروية، وهيئة الغذاء والدواء، وهيئة المواصفات والمقاييس، والهيئة الوطنية لحماية البيئة، وقسم العقاقير في جامعة الملك سعود، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، إضافة إلى عدد من المستشفيات»، ومن خلال هذه اللجنة درسنا نظامية بيع وشراء الأدوية العشبية، وماهي الأدوية العشبية التي من الممكن أن تباع في محلات العطارة، وما هي الأدوية العشبية التي يقتصر بيعها على الصيدليات، وخرجنا بنتيجة وهي أن محلات العطارة المفترض ألا تبيع سوى أدوية عشبية مفردة ومقننة ومدروسة، وألا تبيع «خلطات»، وقلنا إذا أُقر بيع الخلطات فيشترط ألا تزيد الخلطة على 5 أعشاب «آمنة» كحد أقصى، وأن يوضع الاسم العلمي لكل عشب من هذه الأعشاب، أما الأدوية العشبية المصنوعة على هيئة كبسولات أو شراب، فيشترط ألا تباع إلا في الصيدليات أو في محلات الأغذية التكميلية، وقد اعتُمدت هذه التوصيات وأصبحت ضمن لوائح واشتراطات هيئة الغذاء والدواء. وأيضاً قبل سنوات أُنشئت في وزارة الصحة لجنة من نحو 12 عضواً وكنت رئيساً لها وكانت تعمل على تسجيل الأدوية العشبية والمكملات الغذائية المستوردة، وكنا نقوم بتسجيلها بعد دراستها ومعرفة ما إذا كانت آمنة أم لا، وانتقلت مهمات هذه اللجنة لاحقاً من وزارة الصحة إلى هيئة الغذاء والدواء، وما زالت قائمة وتجتمع دورياً لتسجيل الأدوية العشبية، وحين كنت في تلك اللجنة استطعنا تسجيل نحو 1580 دواء عشبيا ومكملا غذائيا، وبعد أن انتقلت إلى الهيئة تضاعف هذا العدد من المستحضرات العشبية والمكملات الغذائية التي تم تسجيلها بعد إجراء الاختبارات اللازمة.
• عندما رصدنا وجود أعشاب سامة خطيرة في محلات العطارة مثل «حبة الملوك» و«بذور الخروع» كانت مراكز السموم تؤكد عدم تسجيل حالات تسمم قاتلة من خلال استخدام مثل هذه النباتات.. لماذا؟
•• مراكز السموم تكونت حديثاً في المستشفيات وهي متخصصة في «السموم الكيميائية» مثل الحبوب أو الأدوية أو ماشابه، أما في ما يخص التسمم بالنباتات والأعشاب فعادة يقومون بإرسال عينات إلى «قسم العقاقير» لتحليلها وهو الجهة المختصة، ولذلك تحال إلينا العينات لدراستها من قبل العديد من المستشفيات الحكومية. وأحياناً يتسمم الشخص ولا يعرف ما هو مصدر التسمم أو يغفل عن ذكر جميع الأشياء التي تناولها خلال الأيام التي سبقت التسمم، وخاصة اذا تأخر ظهور الأعراض لعدة أيام، وفي أحيان أخرى يخفي المرضى أسباب التسمم خاصة في حالة تعاطي بعض النساء لأعشاب ومستحضرات تؤدي إلى الإجهاض، وعلى الأرجح أن هذه هي الأسباب التي أدت إلى عدم تسجيل حالات من هذا النوع في مراكز السموم، ولكن هذا لا يعني عملياً عدم وجود مثل هذه الحالات أو عدم وقوعها.
• ما هي الأعشاب الطبية المتداولة في الأسواق ومحلات العطارة التي تعد آمنة نوعياً ولكن الإفراط في استخدامها أو سوء استخدامها يؤدي إلى أعراض صحية سلبية؟ وما أخطر الأعراض التي قد تسببها؟
•• جميع الأعشاب الطبية التي يتم أخذها دون معرفة ودراية كافية ودون استشارة المختص قد تؤدي إلى الفشل الكلوي وتلف الكبد والعقم وسيولة الدم وأمراض السرطان وقد تتسبب في الوفاة، كما أن كثيرا من النباتات العشبية لا يظهر تأثيرها السلبي إلا بعد مرور عام أو عامين من تعاطيها حتى وإن تعاطاها الشخص لمرة واحدة أو مرتين فقط.
• هل قامت دراسات مسحية شاملة لتقييم التداوي بالأعشاب في المملكة وإعداد دليل متكامل لجميع الوصفات ومزاياها وعيوبها وأضرارها؟
•• حين كان الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) وزيراً للصحة في أوائل الثمانينات، طلب من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إعداد دراسة متكاملة عن إيجابيات وسلبيات الطب الشعبي في المملكة، وطلب منا رئيس المدينة آنذاك الدكتور رضا عبيد أن نقوم بدراسة كل ما يتعلق بالطب الشعبي (التداوي بالنباتات العشبية، والمشتقات الحيوانية، والمعادن، والعلاج بالكي، والحجامة والجبارة، وكل ما يتعلق بالطب الشعبي) وقد تم رصد نحو 11 مليون ريال لذلك المشروع، وقمنا في كلية الصيدلة وقسم العقاقير بدور جمع النباتات الطبية التي تباع عند العطارين والمعالجين الشعبيين وعند الرعاة والبدو الرحل، أما الحجامة والجبارة على سبيل المثال فأوكلت لكلية الطب بجامعة الملك خالد والمستشفى العسكري، وقمنا نحن في كلية الصيدلة بجمع قرابة 3 آلاف وصفة طبية من المعالجين الشعبيين والعطارين والرعاة، وبعد أن أخضعناها للتحليل المخبري للتأكد من وجود فاعلية طبية من هذه الوصفات، خرجنا من الـ3 آلاف وصفة علاجية بـ120 وصفة فقط كانت هي التي لها تأثير دوائي، وقدمنا لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم دستورا دوائيا من تلك الوصفات الفعالة دوائياً، وقلنا لهم إنها سوف تدر دخلا هائلا على المدينة من خلال بيع تلك الوصفات العلاجية كمنتجات دوائية، ولكن للأسف ظلت تلك الدراسة داخل أرفف المدينة.
• الآن في ظل وجود جائحة فايروس كورونا.. ما أبرز الأعشاب والمكملات التي تنصح بها لرفع مستوى المناعة في الجسم لمقاومة انتقال العدوى أو التخفيف من آثارها؟
•• تعد عشبة «النانخة» و «اليانسون النجمي» وكذلك معدن الزنك، من أفضل النباتات والمكملات التي تزيد الأجسام المضادة في الجسم وبالتالي تزيد من قدرة الجهاز المناعي على مقاومة الفايروسات.
• كشفت تقارير ودراسات أن الخضروات الطازجة قد تفقد عناصرها الغذائية المفيدة لأسباب عديدة متعلقة بطريقة قطفها وحفظها.. هل الأعشاب الطبية قد تكون فاقدة فوائدها؟
•• لكي تتحقق الفائدة المرجوة من التداوي بالأعشاب، يجب أولا الحصول على هذه الأعشاب من المحلات المرخصة، لأن العشبة يجب أن تخضع لعدة شروط حتى تضمن عدم تلفها أو تسببها في إصابة الإنسان بأي مشكلات صحية أخرى، ومن بين هذه الشروط أن تكون الأجزاء النباتية التي تحتوي على المادة الفعالة في العشبة قد قطفت وغسلت وجففت وعبئت وخزنت تحت معايير علمية صحيحة للحفاظ على المادة الفعالة في العشبة، وضمان عدم تلوثها أيضاً، وحتى تكون صالحة للاستهلاك الآدمي، كما أن المحلات النظامية ملزمة بعدد من الاشتراطات الصحية الأخرى لضمان سلامة المنتج، إضافة إلى تحديد المحتويات وكتابة محاذير الاستخدام، ولذلك دائماً يجب شراؤها من محلات العطارة والمكملات الغذائية المرخصة من الجهات الرسمية، وهذا لا يضمن تماماً أن بعض هذه المحلات قد لا تلتزم بالاشتراطات بدقة، فمثلا يشترط في تخزين الأعشاب ألا تتجاوز الحرارة عند تخزينها 25 درجة وإذا زادت الحرارة على ذلك ستموت المواد الفعالة وتفقد صلاحيتها وتصبح بلا فائدة.
• بالنسبة لمرض السكري أو ما يطلق عليه «داء العصر».. هل توجد أعشاب ونباتات آمنة تساهم في إنزال وضبط مستويات السكر المرتفع في الدم؟
•• مرض السكري نوعان، أحدهما يعتمد على أخذ «الأنسولين» وآخر لا يعتمد عليه، النوع الأول من المرض يكون فيه جسم الإنسان غير قادر على إفراز هرمون الأنسولين المسؤول عن ضبط مستوى السكر في الدم بسبب خلل يصيب خلايا «لانجرهانز» المسؤولة عن إفراز هذا الهرمون داخل البنكرياس، وهذا النوع لا بد أن يحصل على الأنسولين كدواء ولا توجد أي نباتات تفيده أو تساعده على إفراز الأنسولين نهائيا، أما النوع الثاني من السكري فهو نتيجة لنقص في إفرازات الأنسولين، وهذا النوع بالإمكان التعامل معه بأخذ بعض النباتات الطبيعية لكبح ارتفاع السكر، من أهمها «القرع المر» والبصل والثوم، وأيضاً «الحلبة» وقد كانت تستخدم كعلاج لهذا النوع من السكري في الكثير من المستشفيات الأوروبية، وأيضاً نبات «الخطمي» وورق الغار والشاي الأسود، وكذلك نبات «الأويسة» وهي عنبة جبلية تشبه الكرز، وأيضاً بذور الحنظل تساعد على خفض السكر في الدم وتنظيمه وهذه البذور ليست سامة ولكن الحنظل يعد من النباتات السامة، وجميعها آمنة وغالبيتها تؤكل كغذاء ولا ضرر منها.
• هل هناك محليات عشبية بديلة للسكر صالحة لمرضى السكري؟ وهل ينصح باستخدام العسل كبديل للسكر الأبيض؟
•• المادة الحالية المذاق المستخرجة من نبات ستيفيا هي أفضل البدائل الطبيعية للسكر ولا ترفع مستويات الجلوكوز في الدم عند مرضى السكري، ونبات «ستيفيا» يزرع في أمريكا الجنوبية ويتم استيراده هنا في المملكة، أما بالنسبة للعسل فلا يصلح أن يكون بديلاً للسكر الأبيض لدى مرضى السكري بأي حال من الأحوال لأنه سيرفع مستوى السكر في الدم.
• ما تقييمكم للعسل الموجود في الأسواق؟
•• العسل يحدث فيه غش كبير للأسف، وقبل نحو 25 عاماً أجرينا في قسم العقاقير تحليلاً على 19 نوعاً من عسل النحل الموجود في الأسواق للتأكد من أنه طبيعي ونقي تماماً، ووجدنا أن 2 فقط من أنواع العسل التي انتقيناها عشوائيا كانت نقية 100%، ونشرت النتائج في مجلة «الفايتوثربيا» الألمانية، وحينها احتج وكيل وزارة التجارة على هذه النتائج ومدى صحتها، وأكدت له أنها جاءت بناء على تحليل الأجهزة المختبرية، وكذلك أشرت إلى أن وزارة التجارة لديها أجهزة لتحليل العسل وبالإمكان إجراء الاختبارات على عينات مماثلة للتأكد من صحة النتائج، إلا أنه قال إن الوزارة أجرت اختبارات ولم يثبت وجود خلل، فسألته: «من أين حصلتم على العينة؟»، فأجاب وكيل الوزارة: نحن عادة نطلب من التاجر الذي يستورد العسل من الخارج أن يأتي لنا بعينة حتى نجري عليها الاختبارات، وحينها قلت: «هل تتوقع أن يأتيك بعينة مغشوشة؟»، وأكملت: «المفترض أن تذهبوا إلى الأسواق وتأخذوا عينات عشوائية».
• كثير من النساء والرجال يلجأون إلى العطارين بحثاً عن أعشاب وخلطات ومكملات سحرية لإنقاص الوزن.. ما أبرز الأعشاب والنباتات الآمنة التي تساهم في إنقاص الوزن دون أن تتسبب في أعراض جانبية؟ وما الأعشاب والمكملات الضارة التي يجب الابتعاد عنها؟
•• الفلفل الأحمر يلعب دوراً حيوياً في مقاومة السمنة وتخفيض الوزن ويحتوي على مركب «السانين» الذي يساعد على تخفيض نسبة الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية بشكل فعال، ويؤخذ يومياً مع الاكل، وأيضاً الأناناس من أفضل الفواكه التي تساعد على إنقاص الوزن، وكذلك الجوز البرازيلي، وأيضاً خل التفاح، وعشبة «رجل الأسد»، والكمثرى، والكرفس، وبذور الكمون مع الليمون، وإكليل الجبل (الروزماري)، ونبات «حشيشة القزاز»، وأيضاً نبات «لسان الحمل»، وهذه جميعها آمنة.
وعادة السمنة تحدث لسببين، إما نتيجة مشاكل وخلل في غدد النمو، أو بسبب كثرة الأكل وخاصة الوجبات الغنية بالنشويات والدهون. وللحفاظ على الوزن يجب تجنب الدهون ومنتجات الألبان ما عدا الزبادي، وكذلك الابتعاد عن اللحوم ما عدا الأسماك، والابتعاد عن المعجنات والمقليات.
أما بالنسبة لبعض النباتات العشبية التي تساهم في إنقاص الوزن فهي ضارة ولا أحبذ ذكرها لأن كثيراً منها تعتبر من المواد المخدرة والمنشطة التي تؤدي إلى الإدمان عليها، وأيضاً لا أنصح باستخدام كبسولات وأدوية لإنقاص الوزن خاصة التي تباع بشكل غير نظامي أو يتم شراؤها من خارج المملكة، وقد وثقت حالة لفتاة سعودية شاهدت دعاية مغرية لمستحضر عشبي في إحدى الصيدليات تدعي سرعة فقدان الوزن بكميات هائلة خلال أيام معدودة، وقامت بشراء كميات من المستحضر بحسب نصيحة من الصيدلي، وبعد استخدامها بدأت فعليا في فقدان الوزن حتى وصلت إلى الوزن المثالي، وحين قررت التوقف عن استخدام الدواء ظهرت عليها علامات الإدمان مثل الإرهاق والقلق والنوم المستمر فترات طويلة والاكتئاب وتصبب العرق والصداع الشديد وعدم تحمل ترك الحبوب، وأبلغت والديها بالأعراض الجانبية الحادة للمستحضر، فتم عرضها على طبيب ثم وصلتنا عينة من المستحضر في قسم العقاقير لتحليله، واكتشفنا أن به خليطا من عشب البردقوش ومخدر الكبتاغون، وتم رفع تقرير للجهات الرسمية التي بدورها تواصلت مع السلطات الرسمية في لبنان للإبلاغ عن الصيدلية والصيدلي الذي أعد ذلك المستحضر.
• توجد أيضاً حالة من الهوس عند الكثيرين في البحث عن أعشاب طبيعية ومكملات غذائية وخلطات عشبية لتحسين الكفاءة الجنسية.. ما الأعشاب الآمنة التي قد تساعد في علاج الضعف الجنسي أو تحسين الأداء الجنسي؟
•• أولا يجب استشارة طبيب للتأكد من أن السبب لا يرتبط بمرض عضوي، أما عدا ذلك فإن الغذاء الصحي الذي يعتمد على الخضروات والفواكه الطازجة يعطي نتائج فعالة، أما بالنسبة للأعشاب التي تساعد على تحسين القدرة فالأفضل فيها نبتة «ماكا» وموطنها الأصلي في أمريكا الجنوبية، وهي من الخضراوات التي ينحدر منها القرنبيط والبروكولي والملفوف، وكذلك نبات الجنسنج، إضافة إلى بعض المعادن مثل الزنك والسيلينيوم، وهذه هي الأفضل ويعد استخدامها آمنا.
• في ما يخص أمراض السرطان، أشارت تقارير إلى اتجاه بعض المصابين إلى استخدام بدائل طبيعية للعلاج الكيميائي مثل بذور المشمش.
•• جميعها ادعاءات غير دقيقة وغير صحيحة ولا تستند إلى دليل علمي، كما أن بذور المشمش تعتبر سامة، ولا توجد علاجات عشبية تقضي على السرطان، ولكن إذا تم تشخيص المرض في بدايته فيعتبر «الشيح الصيني» أحد النباتات الفعالة والإيجابية في القضاء على السرطان بحسب نتائج دراسات أجرتها جامعة كاليفورنيا في بيركلي بالولايات المتحدة، ولا تزال التجارب متواصلة على هذا النبات.
• هل ممكن أن نلجأ إلى التداوي بالأعشاب و«الطب البديل» مجملاً دون الحاجة إلى الطب الحديث؟
•• الطب البديل مكمل فقط للطب الحديث الذي نعتبره أساسياً ويجب أن نعتمد عليه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستبدل الطب الحديث بالطب البديل أو التكميلي، علماً بأن نحو 80% من الطب البديل قائم على الأعشاب، إضافة إلى العلاج بالكي والحجامة والجبارة والعلاج بالطب الصيني، كما يجب عدم الذهاب إلى أي معالج شعبي ليست لديه شهادة أو رخصة معتمدة لممارسة الطب البديل، وعوضا عن ذلك الذهاب لجهات معتمدة رسمياً للقيام بهذا النوع من الممارسات العلاجية، مثل مركز الطب البديل والتكميلي ولديهم عيادات متخصصة في أنواع متعددة من الطب البديل، أو الأخذ بنصائح العطارين الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال.
• ولكن يقال إن هناك أمراضا مستعصية لا علاج لها بالطب الحديث وتم شفاؤها عبر الطب البديل.
•• بحكم الخبرة والتجارب، أعتقد أن الحالة النفسية لها أكبر الأثر، وليس تفوق الطب البديل على الحديث، وفي إحدى المرات جاءني شخص يشكو من عدة أمراض مزمنة تعاني منها والدته وأنها لم تجد علاجاً طبياً لها، ولذلك تريد أن تقابلني بحثاً عن علاج ناجع بالطب البديل، وحين التقيت بها كانت تشعر بفرحة غامرة أنها استطاعت التواصل معي، وحينها استمعت لطبيعة الأمراض التي تعاني منها فوصفت لها 3 أعشاب مفيدة عامة وآمنة عامة، وبعد مرور شهر التقى بي ابنها في المسجد الذي أصلي فيه بالقرب من منزلي، وقام بتقبيل رأسي وعيني ويدي، وقال إنه جاء لتقديم شكره وامتنانه لأن والدته شفيت تماماً من جميع الأمراض المزمنة التي كانت تعاني منها، وحينها اقتنعت بأنها حالة نفسية، وأن الأثر النفسي الجيد هو بحد ذاته علاج، كما أن المريض الذي يعاني من حالة مرضية مستعصية يتعلق بقشة، وبالتالي إذا سمع المريض في هذه الحالة أن هناك معالجا شعبيا لا يقرأ ولا يكتب ولكنه يدعي أنه يقدم علاجا شافيا للحالة المصابة بمرض عجز الطب الحديث عن علاجه، فإنه يتعلق بها المعالج، بل حتى الأطباء أنفسهم كثير منهم يلجأون إلى معالج شعبي حين يصابون بمرض لا يوجد له علاج، وقد يشفى المريض رغم أن العلاج «ما منه ولا عنه» ولكن نفسياً اقتنع بأن الوصفة المجهولة التي تناولها لها أثر سحري على صحته وشفائه.