ياسر الجرجورة - الرياض - السبت 21 سبتمبر 2024 08:20 صباحاً - (مصر والسعودية جناحا الأمة العربية والإسلامية، وعليهما يقع العبء الأضخم لحفظ أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط) .. كلمات سمعتها من عدد كبير من المسؤولين السعوديين على مدار السنوات العشر الماضية، وتحديداً بعد نجاح ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013 في دحر خطر جماعة الإخوان الإرهابية، وتمدده بالمنطقة.. فبالفعل القاهرة والرياض هما صمام أمان الإقليم وعمودا الخيمة العربية بكل ما تحمله الكلمات من معانٍ، تحت راية القيادة الرشيدة والحكيمة للبلدين الشقيقين.
الأيام القليلة الماضية، شهدت زخماً سياسياً واقتصادياً في العلاقات بين مصر والسعودية، يقود إلى عهد ماسي جديد في العلاقات بين البلدين بدون أي مبالغة، وينم عن توافق بالغ بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
والدلائل على ذلك كثيرة، لعل أبرزها الزيارة الماراثونية التي قام بها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الأسبوع الماضي إلى الرياض، ولقائه مع الأمير محمد بن سلمان، ووزراء الاستثمار والتجارة والمالية والصناعة بالمملكة، وكبار المستثمرين السعوديين.
سبقها زيارة استثنائية لوزير الداخلية السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، إلى القاهرة، يرافقه الدكتور عصام بن سعيد وزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي.. تلك الزيارة التي كشفت عن توجه جديد في العلاقات بين البلدين على المستوى الأمني، لمواجهة التحديات والمخاطر الأمنية المشتركة التي تفرزها ظروف المنطقة، خاصة في مجال مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتصاعد الجرائم الإلكترونية.
وقد سطّرت زيارة الدكتور مصطفى مدبولي للسعودية، فصلاً جديداً من التعاون البنّاء بين القاهرة والرياض في مختلف المجالات، خاصة وأنها جاءت في ظل تطورات جمّة تلاحق المنطقة من كل حدب وصوب، ما يستلزم إعادة ترتيب الأوراق المصرية السعودية المشتركة على الساحتين الدولية والإقليمية، في ضوء حرص القيادة السياسية للبلدين على إعطاء أولوية وضرورة لدعم العلاقات الثنائية.
الزيارة حملت رسائل ودلالات كثيرة تعكس روابط التاريخ والجغرافيا والأخوة بين مصر والسعودية، إلا أن السمة الأساسية التي وضعها الدكتور مدبولي خلال زيارته، كانت إعطاء دفعة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهو ما تمخض عن توجيه ولي العهد السعودي بضخ استثمارات جديدة للمملكة في مصر بقيمة 5 مليارات دولار كمرحلة أولى، وهي استثمارات إضافية وليست ضمن الوديعة السعودية الموجودة لدى مصر، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 10 مليارات دولار.
ومن أبرز الدلالات، كان إعراب الأمير محمد بن سلمان خلال استقباله للدكتور مصطفى مدبولي، عن تطلعه لزيارة مصر في أقرب فرصه ممكنة، ومقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تتسم العلاقة بين الرئيس و سمو الأمير بالأخوة بكل معاني الكلمة، والتنسيق المستمر بينهما في كافة الملفات الثنائية والإقليمية والدولية.
رسائل أخرى حملها لقاء رئيس الوزراء المصري بولي العهد السعودي، حيث أشاد الأمير محمد بن سلمان بالدور المهم الذي تلعبه العمالة المصرية في النهضة الحالية بالمملكة، متوقعاً زيادة الأعداد في الفترة المقبلة. كما أعرب عن تطلعه لعقد الاجتماع الأول للمجلس التنسيقي المصري السعودي خلال شهر أكتوبر المقبل، بعد التنسيق بين الجانبين. وأكد أهمية الربط الكهربائي بين مصر والمملكة، معرباً عن تطلعه لتقديم المزيد من التسهيلات اللازمة للشركات العاملة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.. وأعلن أيضاً عن دعمه للجهود المصرية في التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، مشدداً على أهمية دور كل من القاهرة والرياض في خدمة القضايا العربية، واحتواء الأزمات الإقليمية سواء في غزة أو اليمن أو أمن الملاحة في البحر الأحمر، وفقاً لتوافق الرؤى بين البلدين في مختلف هذه الملفات.
وعلى صعيد حماية وتشجيع الاستثمارات المصرية السعودية، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أنه سيتم خلال الفترة المقبلة التوقيع على اتفاقية مشتركة تضمن هذا الأمر وتُسهم في تعزيز وضمان الاستقرار والثبات والاطمئنان، موضحاً أن الحكومة المصرية نجحت في إنهاء أغلب مشكلات المستثمرين السعوديين بمصر، حيث تم التوصل إلى حلول لنحو 90 مشكلة من التحديات التي تواجه المستثمرين السعوديين، ويتبقى 14 منازعة فقط سيتم العمل على حلها في القريب العاجل.
وما راقني خلال لقاء الدكتور مدبولي مع كبار المستثمرين السعوديين وممثلي القطاع الخاص بالرياض، قوله: (لو سألنا أي مواطن مصري، من هم الأقرب إليك، وما هي الدولة التي تهفو إلى زيارتها، فستكون الإجابة دائماً المملكة العربية السعودية)، فالعلاقة بين البلدين الشقيقين سواء على مستوى القيادة السياسية أو الحكومة أو على المستوى الشعبي، هي علاقة أخوة وشراكة ووحدة مصير.. وفي هذا اللقاء أعرب عن سعادته بحجم الشركات المصرية التي تستثمر في السعودية في مختلف المجالات والقطاعات، والتي تتجاوز الـ 5700 شركة مصرية، وسيتم العمل على زيادتها خلال الفترة القادمة.
الدكتور مدبولي أكد للمستثمرين و المسئولين السعوديين، أن الشغل الشاغل للحكومة هو العمل علي تحسين مناخ الاستثمار في مصر بصورة أكبر، وتقديم الدعم اللوجيستي وتيسير الإجراءات، وتخطي الإجراءات البيروقراطية من خلال العديد من الإصلاحات التشريعية وإصدار حزم من الحوافز، لتشجيع الاستثمار في العديد من القطاعات وعلي رأسها القطاع الصناعي والزراعي والسياحة والتطوير العقاري والطاقة الجديدة والمتجددة، ما يمثل أولوية قصوي لمصر خلال المرحلة الحالية.. فمصر تفتح ذراعيها للأشقاء السعوديين باعتبارها سوقاً واعدة كبيرة، لهذا تم الإعلان عن إنشاء وحدة بوزارة الاستثمار المصرية تختص بشؤون المستثمرين السعوديين.
ولعل حديث وزير التجارة السعودي الدكتور ماجد القصبي، عن التأثير المصري في المجتمع السعودي خلال عقد الستينات والسبعينات من القرن الماضي، يحمل في طياته الكثير عما يكنّه السعوديون لمصر ، حينما تطرق إلى تأثير القوى الناعمة المصرية، وأنه كان يدرس في السعودية على يد مدرس مصري، وكان الطبيب هناك مصرياً، وكذلك المهندس والعمالة والثقافة، وأيضاً المسرحيات والأفلام والأغاني، كلها مصرية، فقد انتشرت الثقافة المصرية في أنحاء كثيرة بالسعودية، قائلاً: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله، مصر هي من علمتنا، وهي من قدمت لنا الدعم طوال هذه الفترة).
أيضاً وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، أكد أنه في عام 2023 كانت مصر من أهم الدول التي تم التعامل معها بعد إطلاق الاستراتيجية الصناعية المتكاملة للسعودية، ويتم العمل حالياً على تحديد مناطق التكامل سعياً لتحقيق الشراكة الكاملة بين المستثمرين من الجانبين، موضحاً أن مصر لديها معظم القدرات التي يمكن الاستفادة منها سوياً.
ويبقى القول والتأكيد، أنه لا غنى لمصر عن السعودية ولا غنى للسعودية عن مصر، فالبلدان الشقيقان يمثلان معاً قوة ضاربة في وجه أي تحديات تجابه الإقليم، وبثقلهما السياسي والدبلوماسي والاقتصادي يشكلان نقطة الأمان للوطن العربي في ظل تقلبات غير مسبوقة ليس في المنطقة وحدها وإنما على سطح الكرة الأرضية برمتها.. فقد فرضت الظروف الراهنة بالشرق الأوسط وطبيعة العلاقات الأزلية بين مصر والسعودية، على القاهرة والرياض العمل معاً والتحرك سوياً لرعاية مصالح الأمة العربية ضد التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية...