وصف العالم الإيراني ماجد رافي زاده، الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية، بأنه نموذج للمستقبل وقد حان الوقت للتعلم منه، وأضاف أن إنجازات السعودية في مجال الأمن السيبراني مصدر فخر وطني فحسب، بل هي أيضًا درسٌ عالمي.
وأوضح الدكتور ماجد رافي زاده، وهو عالم سياسي أمريكي إيراني تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، أن السعودية في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى قمة التصنيفات العالمية للأمن السيبراني، مُنشئةً نموذجًا يمزج بين الطموح والنتائج، ونصح الدول التي لا تزال عُرضةً للتهديدات الرقمية، بأن تتعلم من النموذج السعودي في الأمن السيبراني.
عالم إيراني يكشف أين وصل الأمن السيبراني في السعودية بقيادة ولي العهد
وكتب الدكتور ماجد رافي زاده مقال تحت عنوان "نموذج الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية هو نموذج للمستقبل"، نشرته صحيفة "عرب نيوز"، الناطقة باللغة الإنجليزية، وقال فيه:
"في عصرٍ تترابط فيه اقتصادات العالم وحكوماته ومجتمعاته ترابطًا عميقًا وتعتمد فيه بشكل متزايد على البنية التحتية الرقمية، يُعدّ الأمن السيبراني أحد أهم ركائز الأمن القومي والتنافسية الاقتصادية. لم يعد العالم الرقمي مجرد طبقة ثانوية من الحوكمة أو مجالًا هامشيًا في الاقتصاد؛ بل أصبح الآن العمود الفقري للحياة العصرية. من المستشفيات والمدارس إلى شبكات الطاقة والأنظمة المصرفية، يعتمد كل جانب من جوانب الحياة اليومية على شبكات آمنة وأنظمة بيئية رقمية مرنة. فبدون أمن سيبراني قوي، تُعرّض أي دولة سيادتها واقتصادها، بل وحتى سلامة مواطنيها، لخطر جسيم. ولهذا السبب، لا يقتصر الاستثمار في الأمن السيبراني على حماية البيانات فحسب، بل يشمل أيضًا ضمان الاستقرار الوطني، وتمكين التنمية المستدامة، وترسيخ مكانة الدولة على الساحة العالمية.
وقد ازدادت أهمية الاستثمار في الأمن السيبراني مع تزايد تعقيد وخطورة التهديدات السيبرانية. إذ يُمكن لهجمات برامج الفدية أن تُعطّل عمل الوكالات الحكومية والشركات الخاصة، بينما يُمكن للهجمات السيبرانية التي ترعاها الدولة أن تُشلّ قطاعات بأكملها، من النقل إلى المرافق العامة. تُعدّ البنى التحتية الحيوية، كمحطات الطاقة وشبكات المياه، أهدافًا رئيسية للجهات الخبيثة التي تُدرك أن مهاجمة هذه الأنظمة قد يُسبب اضطرابًا وذعرًا واسعَي النطاق.
علاوةً على ذلك، فإن التكاليف الاقتصادية لتجاهل الأمن السيبراني باهظة. إذ يُمكن أن يُسفر هجوم إلكتروني كبير واحد عن خسائر بالمليارات، بالإضافة إلى ضررٍ بالغٍ بالسمعة قد يستغرق إصلاحه سنوات. كما يفقد المواطنون ثقتهم بالمؤسسات الحكومية عند اختراق بياناتهم أو خدماتهم، مما يُؤدي إلى عدم استقرار سياسي طويل الأمد. ولهذا السبب، لا تنظر الحكومات المُتطلعة للمستقبل إلى الأمن السيبراني على أنه مجرد فكرة ثانوية، بل كاستثمار وطني استراتيجي يُشبه الدفاع العسكري أو البنية التحتية للرعاية الصحية.
من ناحية أخرى، فإن العواقب وخيمة على الدول التي لا تأخذ الأمن السيبراني على محمل الجد. فعندما تتجاهل الحكومات الحاجة إلى دفاعات سيبرانية قوية، فإنها تُنشئ بيئةً خطرةً يُهدد فيها أمنها القومي ونموها الاقتصادي باستمرار. لقد شهدنا بالفعل حالاتٍ حول العالم أصبحت فيها الدول عُرضةً للخطر بسبب نقص الاستثمار. فقد أغلق المُخترقون خطوط الأنابيب، وتدخلوا في الانتخابات، وسرقوا معلوماتٍ مالية، وعطّلوا أنظمة الرعاية الصحية. وفي مثل هذه الحالات، تجد الحكومات نفسها مضطرة إلى التحرك بسرعة، وغالباً بعد وقوع الضرر.
اقتصاديًا، العواقب وخيمة بنفس القدر. لا يمكن للشركات أن تزدهر في بيئة تُهدد فيها بياناتها باستمرار. سيتردد المستثمرون الدوليون في الاستثمار في دول قد تُدمر فيها الثغرات السيبرانية أصولهم بين عشية وضحاها. الضرر ليس فوريًا فحسب، بل طويل الأمد: فالدول التي تفشل في تأمين بيئاتها الرقمية تُخاطر بالتخلف عن الركب في مجال الابتكار، وفقدان القدرة التنافسية، والاعتماد على الآخرين لتلبية الاحتياجات التكنولوجية الأساسية.
وهذا الواقع العالمي هو السبب في أن نهج المملكة العربية السعودية تجاه الأمن السيبراني يبرز بشكل بارز في عام 2025. تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بنت المملكة أحد أكثر أطر الأمن السيبراني تقدمًا وشمولاً واستشرافًا للمستقبل في العالم. لم تدرك المملكة أهمية الأمن السيبراني فحسب، بل تحركت بحزم، حيث أنشأت مؤسسات واستراتيجيات وخطوط أنابيب تعليمية تُعتبر الآن نماذج للدول الأخرى لتتبعها. إن إنجازات المملكة العربية السعودية في هذا المجال ليست مثيرة للإعجاب بالمعايير الإقليمية فحسب، بل أكسبتها أيضًا تصنيفات عالية في مؤشرات الأمن السيبراني العالمية، مما يجعلها رائدة في مجال يحدد الحوكمة الحديثة والقدرة التنافسية.
الأمن السيبراني في السعودية.. نموذج مفيد للدول التي لا تزال تكافح من أجل إنشاء أطر فعالة للأمن السيبراني
تحدث الدكتور ماجد رافي زاده، في مقاله عن تجربة الأمن السيبراني في السعودية، وكيف أصبح نموذجًا مفيداً للدول التي لا تزال تكافح من أجل إنشاء أطر فعالة للأمن السيبراني.
وواصل العالم الإيراني حديثة قائلاً:
"ما يجعل مثال المملكة مهمًا للغاية هو القيادة المتعمدة والرؤى التي تقف وراءه. عندما وضع ولي العهد استراتيجية رؤية 2030، تم منح التكنولوجيا والأمن السيبراني أدوارًا مركزية. بخلاف بعض الدول التي تتعامل مع التهديدات السيبرانية بشكل تفاعلي، بنت المملكة العربية السعودية إطار عملها للأمن السيبراني بشكل استباقي، وجعلته جزءًا لا يتجزأ من خطتها التنموية الوطنية.
وكان إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني عام ٢٠١٧ من أكثر الخطوات جرأة في هذا الصدد. وأصبحت الهيئة المؤسسة المركزية المسؤولة عن وضع السياسات وتطبيق المعايير وتنسيق الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص. وقد وفرت هذه الهيئة المركزية الوضوح والاتساق، مما ضمن توحيد جهود الأمن السيبراني في البلاد وتنظيمها وفعاليتها.
واستكملت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني بتأسيس الشركة السعودية لتقنية المعلومات، التي عملت بمثابة الذراع التشغيلي والفني لاستراتيجية الأمن السيبراني في المملكة. وقد سمح تركيز الشركة على التوطين وتطوير التكنولوجيا للمملكة العربية السعودية بتقليل اعتمادها على الأنظمة الأجنبية وبناء خبرات محلية. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن الأمن السيبراني الحقيقي لا يقتصر على الدفاع ضد الهجمات فحسب، بل يشمل أيضًا السيادة التكنولوجية.
ومن خلال الاستثمار في قدراتها الذاتية، ضمنت المملكة قدرتها على التحكم في مستقبلها، مما قلل من نقاط الضعف التي غالبًا ما تنشأ عن الاعتماد المفرط على التقنيات الأجنبية. وقد أدى هذا الجمع بين الحوكمة المركزية من خلال الهيئة الوطنية للاتصالات والتنفيذ التشغيلي اللامركزي من خلال نظام SITE إلى خلق ما يشار إليه الآن باسم "النموذج السعودي" للأمن السيبراني، وهو نظام يوازن بين الرقابة القوية والمرونة والابتكار.
إن نتائج هذا الاستثمار والقيادة واضحة في المعايير العالمية. ففي عام 2024، صنف مؤشر الأمن السيبراني العالمي للاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة المملكة العربية السعودية كدولة نموذجية من الفئة الأولى. وحققت المملكة درجة كاملة 100 من 100 في جميع الركائز الخمس الرئيسية للأمن السيبراني: الإجراءات القانونية والتنظيمية والتعاون وبناء القدرات والتدابير التقنية. وقد وضع هذا الاعتراف المملكة العربية السعودية في أعلى فئة عالميًا، مما يُظهر إنجازاتها ليس فقط في الدفاعات التقنية ولكن أيضًا في الحوكمة والتعليم والتعاون.
وفي عام 2025، عززت المملكة العربية السعودية ريادتها العالمية عندما صنفتها IMD كأفضل دولة في العالم في مجال الأمن السيبراني. وهذه التصنيفات ليست رمزية؛ بل هي انعكاس لسنوات من التخطيط الاستراتيجي والاستثمار والتنفيذ. وهي تُظهر أن المملكة قد تجاوزت الخطاب وحققت نجاحًا ملموسًا وقابلًا للقياس على الساحة الدولية.
وكان التعليم ركيزة أخرى لإنجازات المملكة العربية السعودية في مجال الأمن السيبراني. إدراكًا لأهمية رأس المال البشري والبنية التحتية التكنولوجية، أنشأت المملكة كلية الأمير محمد بن سلمان للأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في الرياض عام 2018. وأقامت المؤسسة شراكات مع بعض الجامعات الرائدة في العالم، بما في ذلك ستانفورد وكارنيجي ميلون، لتدريب الجيل القادم من الخبراء. وقد أدى ذلك إلى إنشاء خط أنابيب من المهنيين السعوديين القادرين على تعزيز الأهداف التكنولوجية والأمن السيبراني للبلاد. وعلاوة على ذلك، فإن أحداثًا مثل مؤتمر بلاك هات السنوي للشرق الأوسط وأفريقيا في الرياض حولت المملكة العربية السعودية إلى مركز إقليمي وعالمي لمناقشات الأمن السيبراني والابتكار والتعاون. ومن خلال الجمع بين الخبراء والشركات والحكومات، أنشأت المملكة نظامًا بيئيًا تتدفق فيه المعرفة وتنمو القدرات باستمرار.
إن ما يمكن للعالم أن يتعلمه من المملكة العربية السعودية واضح. أولاً، يجب على القيادة على أعلى مستوى إعطاء الأولوية للأمن السيبراني كهدف استراتيجي. فبدون الإرادة السياسية والرؤية الوطنية، لا يمكن للجهود المجزأة أن تحقق النطاق اللازم. ثانيًا، يجب إضفاء الطابع المؤسسي على الأمن السيبراني من خلال أطر حوكمة متماسكة توازن بين الرقابة المركزية والتنفيذ اللامركزي. ثالثًا، الاستثمار في التعليم وتنمية المواهب أمر بالغ الأهمية؛ لا يمكن لأي دولة أن تضمن أمنها دون قوة عاملة ماهرة قادرة على مواجهة التهديدات المتطورة. رابعًا، يجب على الدول السعي لتحقيق السيادة التكنولوجية، وتطوير قدرات محلية تُقلل الاعتماد على الجهات الخارجية. وأخيرًا، يجب تبني معايير دولية للشفافية والتعاون، لأنها تُتيح المساءلة وتُساعد على مواءمة الجهود مع أفضل الممارسات العالمية.
باختصار، لا تُعدّ إنجازات المملكة العربية السعودية في مجال الأمن السيبراني مصدر فخر وطني فحسب، بل هي أيضًا درسٌ عالمي. فهي تُظهر ما يُمكن تحقيقه عندما تتضافر الرؤية والقيادة والاستثمار والتنفيذ. في عالمٍ تتزايد فيه التهديدات الرقمية يومًا بعد يوم، حقّقت المملكة سجلًا مُبهرًا ينبغي على الآخرين الاقتداء به. يُظهر هذا المثال أن الأمن السيبراني لا يقتصر على التكنولوجيا فحسب؛ بل يشمل أيضًا الحوكمة والتعليم والسيادة والتعاون الدولي.
بقيادة ولي العهد، ارتقت المملكة العربية السعودية إلى قمة التصنيفات العالمية للأمن السيبراني، مُنشئةً نموذجًا يمزج بين الطموح والنتائج. بالنسبة للدول التي لا تزال عُرضةً للتهديدات الرقمية، فإن الرسالة واضحة: يُقدّم النموذج السعودي نموذجًا للمستقبل، وقد حان الوقت للتعلم منه.