سيف الحموري - الكويت - الأحد 11 ديسمبر 2022 12:03 صباحاً - «اللآلئ هناك مشرقة والحيوانات ثمينة ولطيفة، يعمل الناس هناك بأمان في النهار ويجتمعون للتجارة في الليل، وجميلة هي الحقول الخصبة التي يزرع فيها الأرز بكثافة، والمنتجات وفيرة ورائحة عشبية تملأ الأرجاء»، هكذا كان وصف المسؤول الصيني في شين المرافق للبحار الصيني تشنغ خه عندما وصلا إلى مكة المكرمة قبل 600 عام في عهد أسرة مينغ الملكية. وفي أوائل موسم شتاء عام 2022، وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى هذه الأرض الجميلة مرة أخرى لحضور (القمة الصينية - العربية الأولى) و(قمة الصين - مجلس التعاون الخليجي الأولى)، والقيام بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، للتباحث حول سبل تطوير العلاقات الصينية -العربية والخليجية.
تعد القمم الثلاث حدثا كبيرا لمتابعة عمل السلف وشق طريق للخلف، ولفتح آفاق جديدة، كونها أكبر حدث ديبلوماسي والأعلى في المستوى بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وكذلك علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية-العربية. تضرب جذور الصداقة بين الصين والدول العربية في أعماق التاريخ، لقد عرف الجانبان بعضهما البعض من خلال طريق الحرير القديم، وتقاسما السراء والضراء في النضال من أجل التحرر الوطني، وساعد بعضهما البعض في مكافحة وباء كورونا، وتحمل المسؤولية في إثراء تعدد الأقطاب العالمية. لقد استخلص الرئيس الصيني شي جين بينغ روح الصداقة الصينية -العربية الممتدة لآلاف السنين، ورسم مخططا للصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية، وأشار إلى اتجاه بناء المجتمع الصيني -العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، مما يضخ الثقة في السلام الإقليمي والعالمي وتحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار. يعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية من المنظمات الإقليمية الأكثر حيوية في العالم، وتشهد العلاقات القائمة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تطورا سليما ومستقرا منذ زمن طويل، ويتميز التعاون بين الجانبين في شتى المجالات بنطاق واسع وأبعاد عميقة ونتائج مثمرة. لقد أجمعت قمة الصين ـ مجلس التعاون الخليجي قادة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي معا للمرة الأولى لمناقشة القضايا المهمة المتعلقة بالعلاقات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وتهدف القمة إلى توارث الصداقة التقليدية التي تتمتع بها الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإثراء المقومات الاستراتيجية للعلاقات، والارتقاء بها إلى مستوى جديد، في ضوء إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
تعد القمم الثلاث حدثا كبيرا لبناء التوافق وتعميق الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والدول العربية. لطالما كان التعاون السلمي والانفتاح والشمولية والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك للجانبين اللحن الرئيسي للتعاملات الصينية -العربية، ومع الدخول إلى القرن الحادي والعشرين، صمدت وتوثقت العلاقات الصينية -العربية في ظل تقلبات الوضع الدولي، وشهدت تطورا هائلا في تبادل الثقة السياسية والكسب المشترك الاقتصادي والتفاعل الثقافي من حيث الاتساع والعمق. إن الصين والدول العربية من الأطراف المهمة للبلدان النامية، ولديهما قوة سياسية كبيرة على الساحة الدولية، وبمواجهة مهمة تاريخية وتحديات متشابهة، يحتاج الجانبان إلى تعزيز الثقة المتبادلة، والتغلب على الصعوبات معا، والمضي قدما جنبا إلى جنب أكثر من أي وقت مضى. وقد ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ كلمة رئيسية في القمة الصينية -العربية تتمحور حول تكريس روح الصداقة الصينية -العربية، والعمل يدا بيد على بناء المجتمع الصيني -العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وقد لاقت صدى واسع النطاق من قبل قادة الدول العربية المشاركين في القمة، الأمر الذي عزز التوافق الاستراتيجي بين الصين والدول العربية حول القضايا الرئيسية، بما في ذلك الحوكمة العالمية والتنمية والأمن والحوار بين الحضارات. وفي ظل التغيرات غير المسبوقة التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، إن الصين على استعداد للعمل مع الدول العربية باستمرار لرفع راية عدم التدخل في الشؤون الداخلية عاليا، وتبادل الدعم الثابت لبعضها البعض في الحفاظ على السيادة وسلامة الأراضي والدفاع عن الإنصاف والعدالة الدوليين معا. ستواصل الصين والدول العربية تنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي يدا بيد، بما يضخ مزيدا من الاستقرار للمنطقة التي تشهد التحولات والاضطرابات، ويضيف مزيدا من الطاقة الإيجابية لقضية السلام والتنمية، وستواصل الصين والدول العربية تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديموقراطية والحريــة، وتعزيــز التعارف والتقارب بيــن الشعوب، بما يبني حديقة تزدهر فيها جميع الأنواع من زهور الحضارات.
تعد القمم الثلاث حدثا كبيرا لتوسيع التعاون وتعزيز التضامن والتنمية، واستنادا إلى مبادئ التعاون والفوز المشترك، ستواصل الصين العمل مع الدول العربية لبناء «الحزام والطريق» بشكل مشترك وبجودة عالية، وزيادة المواءمة بين استراتيجيات التنمية لكلا الجانبين، وإطلاق المزايا والإمكانيات وتوسيع التعاون العملي في مختلف المجالات من أجل تحقيق التقدم والتنمية المشتركين، لتحقيق المزيد من فوائد إنجازات التعاون للشعبين الصديقين. طرح الرئيس شي جين بينغ الطرق الأربعة لبناء المجتمع الصيني -العربي للمستقبل المشترك، وأعلن أن الجانب الصيني سيعمل مع الجانب العربي على الدفع بـ«الأعمال الثمانية المشتركة» التي تغطي مجالات التعاون العملي، ألا وهي: تدعيم التنمية، والأمن الغذائي، والصحة، والتنمية الخضراء والابتكار، وأمن الطاقة، والحوار بين الحضارات، وتأهيل الشباب، والأمن والاستقرار، بما يدفع بالمضي قدما بخطوات متزنة نحو بناء المجتمع الصيني -العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد. كما تشهد العلاقات القائمة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تطورا سليما ومستقرا منذ زمن طويل، وتقدمت بشكل مزدهر، وحققت إنجازات مثمرة في العقد الماضي، فعلى سبيل المثال، تبقى الصين أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وأكبر مستورد لمنتجاته البتروكيمياوية، وقد أوضح الرئيس شي جين بينغ سبل إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين ومجلس التعاون الخليجي من الجوانب الأربعة التي تشمل التضامن والتنمية والأمن والحضارة، وطرح المجالات الخمسة ذات الأولوية للتعاون الصيني -الخليجي في المستقبل، والتي تشمل الطاقة، والتمويل، والتكنولوجيا والابتكار، والفضاء، واللغة والثقافة. وتحرص الصين على التعاون الجدي والتضامن الصادق مع الدول الخليجية لتعميق اندماج المصالح بين الصين والجانب الخليجي وتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بجودة أعلى وبشكل أعمق للجانبين.
خلال القمم الثلاث، التقى الرئيس شي جين بينغ مع ممثل صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، لأول مرة، وينظر إلى هذا اللقاء على أنه معلم تاريخي في التعاملات الصينية -الكويتية.
أكد الرئيس شي جين بينغ أن الجانب الصيني يدعم الجانب الكويتي في تنفيذ «رؤية الكويت 2035»، ويحرص على تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، والمشاركة النشطة في بناء المشاريع المهمة في الكويت، واستكشاف إمكانيات التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والجيل الخامس للاتصالات والاقتصاد الرقمي، وتدعيم التواصل والتعاون في مجال الثقافة. يحرص الجانب الصيني على أن يبقى شريكا موثوقا به للكويت، ويبذل جهودا مشتركة معها في خلق مستقبل أجمل للعلاقات الصينية -الكويتية.
من جانبه، أعرب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد أن الجانب الكويتي يلتزم بمبدأ الصين الواحدة، ومستعد لبذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني لتعميق التعاون المتبادل المنفعة في جميع المجالات، بما يفتح آفاقا جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
قال العرب، «الصداقة شجرة، جذورها الولاء، وأغصانها النوايا الحسنة». تتلألأ الحضارتان الصينية والعربية في طرفي قارة آسيا، وصمدت صداقتهما وأصبحت أقوى وأكثر رسوخا على مر الزمان.
إن التبادل الحضاري والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية لهو قصة جميلة في تاريخ التعامل الحضاري للإنسان. واستشرافا للمستقبل، ستواصل الصين العمل مع الدول العربية على تعميق الحوار بين الحضارتين وتعزيز التعلم المتبادل وبناء المجتمع الصيني -العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد معا. كما ستغتنم الصين فرصة إقامة وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين ومجلس التعاون الخليجي لترسيخ الصداقة التاريخية وتعميق الثقة المتبادلة مع دول المجلس، ونتطلع إلى تقاسم فرص التنمية وخلق مستقبل أفضل معا.