الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

السنونة ينتقل مغامراً في عوالمه من «ثرثرة خلف المحراب» إلى «أقنعة من لحم»

Advertisements

سيف الحموري - - الاثنين 18 يوليو 2022 07:55 مساءً - يوسف غانم

ما أروع أن يربط الأديب والكاتب ما يجول في عقله من خواطر وأفكار بالواقع، وما أجمل أن يستثمر الكلمات والمعاني ويستعين بالمفردات والإيحاءات المناسبة للوصول إلى مبتغاه في رسم لوحاته بالحروف وتأطيرها بالكلمات، وهذا ما نجح الأديب والقاص السعودي حسين السنونة فيه في مجموعته القصصية «أقنعة من لحم» (دار سطور عربية)، وكذلك في «ثرثرة خلف المحراب» (مؤسسة الانتشار العربي)، فيكشف الزيف ويركز على الواقع الاجتماعي الذي يعايشه الناس، وبما يشكل إضافة مميزة للمكتبة الأدبية العربية بما تضمنتاه من سرد وتصوير للواقع.

ففي «أقنعة من لحم» والتي قدم لها الأديب والإعلامي الأردني أحمد الطراونة بين ان القاص حسين السنونة لا يغادر عتبات القص مجربا إلا إذا كانت المغامرة تستحق، وقد جاءت تلك المجموعة غنية بالمشاعر الإنسانية والوطنية والبناءات الفنية العالية الجدران التي تؤكد أننا أمام قاص متمكن من أدواته، مشيرا إلى أنه تفوق على نفسه في هذه المجموعة مقارنة بما سبقها، حيث يظهر جليا بين ثنايا النصوص التي اختارها لمجموعته أنه يعرف تماما ماذا يريد، فثمة حياة مكتملة في كل قصة، يظهر فيها السرد ليس مجرد فكرة فقط ألبست لباس القص عنوة، وإنما حيوات متضمنة تنطلق من السرد الذي يشكلها وينفخ فيها بنات الأفكار بعيدا عن الركاكة، كما أن القارئ المتحفز الباحث عن الحقيقة في ثنايا السرد يلتقط بسهولة ما بين السطور ويصل بسهولة رغم الشكوك وارتفاع المطبات، إلى المعنى الجميل الملتحف بالكلمات دون إحساس بالابتذال، بل على العكس يرى كم هو محظوظ بنص باذخ يتجول خلاله بحرية، ليجد الكاتب مستمعا وهو يقفز على الجراح يخلق منها متعة للقارئ الذي يغرس عيونه في آلام النص، فيسهم في تكوين قناعات مشتركة بين القراء، وفي تقريب المواقف من قضايا الحياة، وتكوين الوعي الذي هو غايته.

نعم فالسنونة الذي يصطدم مع الواقع فيفضح عتمته ويعري ما أحاطه من زيف، في عوالم اقتنصها من هذا العالم الفسيح نجدها تعج بالسخرية القاسية عبر عن أزمة إنسانية مع تداخل المثيوبولوجيا مع العادات والتقاليد والدين لتفضي إلى منظومة السلوكيات التي يعيشها الإنسان العربي المهزوم أحيانا والمتخاذل أحيانا أخرى.

ففي أقنعة من لحم يشدنا السنونة لمعرفة كيف تحول وجه الزوج إلى «وجه كلب» ونظرات الآخرين له وتعامله معهم وحرصه على النظر للمرآة حتى سألته عن وجهه وجه ال..!.

وفي ترانيم مواطن لا يتحرك.. وخطابه الموجه للظلام والقمر والنجوم ليلا والشمس والسماء نهارا وثرثرته وتجمع أهل المدينة حوله.

و«أشتاق للعناق فأستيقظ»، حالة تأتيه كل سنة مرة قبل الساعة الثانية عشرة وتستمر حتى الفجر، واستغراب زوجته من تأخر مرضه السنوي، وحواره مع زوجته ومناداته بما تحب رغم أنه رومانسي لكنه بارد ومتبلد معها!، إلى «مجرد رسالة من عجوز»، التي وصلته من ذاك البيت على اليسار من فتاة هي الآن عجوز مع حب من طرف واحد، وانتقاله الى السلام على القومي العربي وتوصية أحد زملائه في السجن، والحي الجديد ومنزل عائلة «الكهرباء».

ونصل مع السنونة إلى هرولة العمر مع «صرخة طينية» وآلام الشعور بالعجز والفقد وتحول الإحساس الى واقع يحاصر الروح والجسد وإنك غير مرغوب فيك من العالم كله، ومطلوب منك أداء فروض الحياة.

وهناك مشرط، في «إشهار جوع»، متنقل من مكان إلى مكان بحثا عن طعام، وموت وزير التغذية جوعا وخسارة مزير المعاشات أمواله وانشغال المسؤولين بقضايا المواطن والوطن، وحكم القاضي عليه بإشهار الجوع في الشارع بعد نظره إلى «كيكة» وتأثيره على الذوق العام وسمعة الوطن، وسعادته بالحكم كونه لن يحمل هم الأكل لـ 8 أشهر!

ونأتي لـ «اتصال مائي» لرجل منظم دقيق في كل شيء، من دخول الحمام إلى الموسيقى المختارة بعناية لإطلاق مخيلته وإحياء صور طفولته وشبابه، للاعتراف بأسراره والخضوع لعذاب الروح والنفس والعاطفة، وعلاقته بـ «فاتن» وغضبها وبكائها وتشهيره به مع الكلام المخلوط بالدموع، وكذلك ترامب أو رئيس البلدية، ليصل إلى «فلس.. طين» وعلاقته بخاله وصديقه ومدرس العربي الذي كسر زجاج سيارته.

وزواج صديقه كرم التقليدي في «ورد وماء» وعشقه الفريد وسحر القلوب المتعبة وزيارة قبرها كل إثنين وخميس مع الوردة البيضاء!

وكيف اختار السنونة «الوسادة البيضاء» ليرى رقتها ونعومتها ورائحتها، والفتاة الهاربة من أهلها بعد قصة حب عاصفة إلى دولة تدافع عن حقوق الحب، إنها وسادة خاصة بالحيوانات الأليفة!.

كذلك «اسمي وأسماؤهم» والبحث عن الأسماء التي تشبه اسمه، وفي «تقمص» يقرأ «كيف تتقمص الشخصية الإنسانية» ورغبة الرقص مع زوجته على موسيقى عاطفية لعل الزمن يعيد به شيئا من الشباب والذكريات، وهل رقص الزوجة لزوجها حلال، وكيف تتلاعب النساء الجميلات بالرجال الطيبين؟!.

ولأن «الحب يجب ما قبله» هناك اعترافات للعم عن علاقات نسائية متعددة وحالات من العشق للأب، وكيف أن هناك نساء مثل الدواء ونساء مثل الماء ونساء لا هذه ولا ذاك!، ليقول: «أمي تلعن النجوم» والمسؤولون يطلقون الوعود للاستفادة من المطر وسد العطش.

بعدها يتناول انتشار العمالة الكورية في «كوري في تاروت» وعدم التفريق بينهم، والجارة الحسناء، وهل أكل معهم غير الكيك والتمر؟!، فـ «آخرون كانوا هنا» و«يأكلون الهواء» ويتحدثون عن كرة القدم ومنافسات الفرق والحديث عن الفائزين في المباريات بعيدا عن التطرق إلى الانبطاح وزعزعة الأمن الإنساني والاجتماعي والأخلاقي.

وهذه المجموعة للسنونة تأتي بعد «ثرثرة خلف المحراب»، التي بدأت بتقديم يوسف شغري بالبوح الصادق والتدفق التلقائي، للقاص حسين السنونة، ببساطة وتلقائية فيما يقدمه وما يعتمل في روحه تجاه وطنه والبشر الذين يعيشون فيه بل تجاه الإنسان في كل مكان، منتقدا الواقع الاجتماعي الراكد الذي لا يتغير، فيطرح أفكاره من دون مداورة، ينتقد البيروقراطية والتعصب الديني وتبذير النعمة ويعادي الحروب، وينتقد رجال الدين الفاسدين، وكذلك يبين ان هناك عالما مختلفا خلف حدود الوطن، مدن معولمة تفقد فيها الهوية، فالسنونة يعبر عن طريق الراوي العليم مستخدما ضمير المتكلم الذي يسرد مشاعره ويصف العالم من حوله، ففي «أجساد ثملة» يجلد المطر كل الأرض ورعد يدخل في النفوس الرعب، وآخر الكلمات التي خرجت لتغسل جسدها برشقات المطر حافية القدمين.. المطر يغسل الأجساد لكن الأرواح والقلوب فتبقى كما هي، لتصل إلى شارع نزار قباني وتتذكر مقطع «اصرخي صرخة الذئب في منتصف الليل».

وفي «أنين الذكريات» في حي الديرة الملتصق بقصر تاروت «عشتار»، ورائحة التراث الفواحة من زواياه، إلى «رسالة من الصين» أيها الأسمر الشرقي المجنون بالشعر، واستعمار القلب بالعاطفة وصدى الصوت على امتداد سور الصين وصمت المكان والزمان ودفء آخر الليل، والبحث عن جزيرتك ورائحة جسدك والنظر إلى عينيك، واختلاط الذكرى بالعطر، مع «وهج الخيال» وإيجاد الحل للكثير من المشاكل كالقلق والروتين والاكتئاب والأرق، مع كوب من اللبن الدافئ، وبعدها «غباء.. خاص جدا» و«قطط.. حضرات نمل» و«مثلث من ورق» وقرار مواطن أن يتزوج ويكمل نصفه الآخر والفواكه الحمراء والسمراء التي حان قطافها وبيع الأم لذهبها، وأيضا ضيق الدنيا مع «ترانيم مواطن متسكع» ومزاحمة العيش، ودمعات الرجال وغضب البحر، ومع «شيخ قريتي» هناك مواطن لم يخرج من الغرفة لأسبوع لأن خطيبته طلبت الانفصال عنه، فما هو السبب، وما علاقة شيخ القرية؟!، ليأتي «عام جديد» وتجتمع العائلة في يوم بارد وأمنية هذا العام، وفي «الدقيقة الخامسة بعد منتصف الليل» يعلن النبأ العظيم، بعده «أصباغ ثملة» فتبدو المباني صامتة متطاولة، وقصة اللوحات.

وتأتي قصة «أنا وأمي.. والمحرمات» والسؤال عن علاقته بالنساء، وفتاة الطائرة وتأنيب جدته وفعل أي شيء شرط ألا يغضب الخالق أو يغيض المخلوق أو يسيء إليه أو لعائلته.

فهناك «أسئلة.. بيضاء مجنونة» وعدم إيمانه بشؤم، ويوم أحضرت زوجته كفنا جاهزا، والقبلة المحرمة على خده من فتاة لغتها عربية ولونها فرنسي، والهروب الكبير من ابنة عمه التي وعدها بالزواج.

فـ «ها أنت وحدك» بعد انتهاء قراءة الكتاب والنظر للسقف وتساقط بعض الدمعات فأبوه هو العالم ومدينته كل العالم وشبابها الأذكى وبناتها الأجمل والتعرف على الشخصيات والعالم والقرارات التي تغير الفكر والقلم، ليصل إلى «ملح بطعم العسل» والعمل سائقا مع عاملة توزيع الطعام على المدارس، وصديقه عاشق الوحدة أينما حل مع «فنجان أسود ورقصة عجوز»، فنستمع لـ «ثرثرة سجين» في غرفة ليس لها نافذة ملساء إلا من قطعة قماش، وبعدها اختيار فكرة وطقوس النوم مع «رأس وكف ووسادة».

Advertisements

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

Advertisements

قد تقرأ أيضا